واحدٌ من أكثر النقاشات التي شغلت المفكّرين المهتمّين بالأدب، والنقّاد، والعديد من الكتّاب خلال القرن العشرين، هو ذاك الذي دار (وما يزال يدور حتى يومنا هذا) حول غاية الكتابة: هل للشاعر والروائي والكاتب دورٌ اجتماعي يمارسونه من خلال الكلمات، أم أن أعمالهم "مجّانية" ولا يجب أن تُفرَض عليها غايةٌ أخلاقية أو اجتماعية أو سياسية.
ضمن هذا النقاش، كان المفكّر الماركسي المجري، جورج لوكاش (1885 ــ 1971)، إلى جانب الفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر، من أبرز الأسماء القائلة بأن الأدب يحمل طابعاً سياسياً ــ شئنا أم أبينا ــ، وبالتالي، فإنه قادرٌ على التحوّل إلى وسيلة للتغيير.
عن منشورات "كريتيك" في باريس، صدرت حديثاً النسخة الفرنسية من كتاب لوكاش "تقويض الفاشية في الأدب"، وهو عملٌ يضمّ ثلاث مقالات نشرها المفكّر في أوقات مختلفة، لكنها تجتمع في مناقشتها للثيمة نفسها.
يتمحور العمل، بشكل أساسي، حول الأدب الألماني الذي يُسائله لوكاش في أكثر من موضع: هل يمكن لروايةٍ ما أن تُصبح سلاحاً لمواجهة الفاشية؟ وما دور الأدب الألماني في الحراك المناهض للنازية؟
للإجابة على هذين السؤالين، يعود المؤلّف إلى العديد من التجارب التي كُتبت خلال فترة صعود النازية وحُكمها في ألمانيا، حيث يدرس في المقالة الأولى الرواية التاريخية واستخداماتها في هذا السياق، مع العِلم أن تعبير "الرواية التاريخية" لا يعني سرد أحداثٍ ــ حقيقة أو مُتخيّلة ــ وقعت في الماضي، كما هو شائع، بل يقصد تلك الرواية التي تتحدّد وفق معطيات التاريخ وحقيقته، وهي بهذا المعنى أقرب إلى الرواية الواقعية.
وينتقد المؤلّف، في هذا السياق، الروائي الألماني شتيفان تسفايغ، الذي كان مناهضاً للفاشية كأديب، إلّا أن موقفه هذا كان "ليبرالياً" و"برجوازياً"، حيث لم يكن يؤمن بأي بُعدٍ ثوري للكتابة، مقترحاً بدلاً من ذلك، بحسب عبارة لوكاش، "معاداةً مجرّدة للفاشية".
وعلى المقلب الآخر، يحضر هاينرش وتوماس مان من بين الكتّاب الذين يتّخذهم جورج لوكاش نموذجاً للعمل الأدب الملتزم في ألمانيا، حيث يرى أنهما في عملهما الشعري والروائي يكشفان عن صرورة الفاشية ــ التي يربطها لوكاش بالبرجوازية ــ وعن طُرق ولادتها تاريخياً، والنحو الذي تُعاش من خلاله، وهما بذلك يقدّمان "واقعية نقدية حقيقية مثل حقيقة الحياة نفسها"، بحسب تعبيره.