جسدٌ مُهاجِر... جسد محتلّ

29 يوليو 2024
من عرض "صفر - صفر" لـ"فرقة الأمل" في الناصرة
+ الخط -
اظهر الملخص
- رواية "لا تقولي إنك خائفة" للإيطالي جوزبه كاتوتسيلا تسرد قصة سامية، التي تعيش في مقديشو المحاصرة بنيران العشائر، وتبحث عن الحرية والكرامة عبر رحلة محفوفة بالمخاطر.
- العمل يعكس معاناة الجسد المهاجر والمخدوع، ويصور رحلة سامية من عالم ديستوبي مليء بالحروب والعنف إلى عالم يوتوبي متخيل، حيث تواجه تحديات هائلة.
- العرض الراقص "صفر- صفر" لفرقة الأمل في الناصرة يجسد جسدًا محتلًا ينزف ويتنفس، ويعبر عن الألم والأمل في نص بصري حركي مؤثر.

رواية الجسد المُهاجر

تصف رواية "لا تقولي إنّك خائفة" للإيطاليّ جوزبه كاتوتسيلّا حياة سريعة ومقطوعة بين بحرين مغلقين: المحيط الهندي والبحر الأبيض المتوسّط، مروراً بأكثر من صحراء.

البحر، الذي تقع مقديشو‎ على ساحله غيرُ متاح لسامية بطلة الرواية، لأنّه محاصَر بنيران العشائر المتناحرة. وهكذا يصبح الجري بحرها، كما تقول. لكنّها تضطرّ في نهاية المطاف إلى البحث عن باب بحري آخَر للسجون التي تعيشها. "لا تقولي إنّك خائفة" هي رواية الجسد المُهاجر، الجسد المخدوع، الموجوع، المفصوم عن إنسانيته، المفتَّت إلى بيولوجيّته، الجسد الطائر إلى المياه، الغارق والناجي من جنون القبيلة.

تُصبح "الرحلة"، كما يسمّي المهاجرون الجحيم الذي يقطعونه نحو وعد بـ حياة تليق أكثر بإنسانيتهم، رحلةَ حياة أو موت. رحلة كارثية لحياة "مهرَّبة" تُناضل بكلّ ما أوتيت من شهوةِ حرّية من أجل الدفاع عن كرامتها في مواجهة الصحراء والعنف والخوف.

يحاصر سامية عالمٌ ديستوبي: الحرب وفقداناتها وخساراتها التي لا عزاء لها: الطفولة، الصداقة، الحُب، البحر. عالم يتمترس فيه الذكور بعنفهم، وتعتصم فيه الإناث بحبل الحياة السرّي. تحاول سامية حركةً عكسية من عالم ديستوبي حقيقي نحو عالم يوتوبي متخيَّل. تركض لتنجو.

بينها وبين هذا العالم رجال وبنادق وحروب وصحراء وعالم غربي متبلّد المشاعر تُجسّده في الرواية السفينة الإيطالية التي تصدّ المهاجرين في إطار ميثاق جرى توقيعه بين نظام القذافي والحكومة الإيطالية يقضي بمنع المهاجرين من الإبحار نحو السواحل الإيطالية، مقابل معونات اقتصادية لجهات غير واضحة.

تنجح سامية في ألّا تُصبح رقماً، تنجح في أن تنشل اسمها من الغرق، لكن الثمن رهيب.

هي رواية المراهَقة المثقلة بميراث العنف الاستعماري، وبالحرب الأهلية وبالأصولية المنكوبة، وبالذكورية المرعوبة من الأنوثة والساعية إلى قمعها وتدجينها وإسكاتها. هي، أيضاً، رواية المراهَقة ككابوس استعماري في مواجهة خديعة الواقع وخديعة المستقبل. الخوفُ ترفٌ لا يُحتمل، في أفريقيا كما في فلسطين.


■ ■ ■


جسدٌ محتلّ ينزف كأنّه يتنفّس

في لحظة ذروة دامية، من العرض الراقص "صفر- صفر" لـ"فرقة الأمل" في الناصرة، يرتفع جسدٌ كغيمة حمراء في الهواء، مرتطماً، في تحليقه المأساوي نحو الهاوية، بأيدٍ تتناوب على حمله... أو على قتله، قبل أن يسقط سقوطاً معتِماً... مدوّياً...

يُصبح الجسد صرخةً… صرخة لا تقوى لغةٌ على حملِها… صرخة خارج المعنى... صرخة لا تشير إلى أيّة ولادة...
ننخطف إلى أوديسّة جسد فردي وجماعي تائه في مصائره: يغرق ويطفو... يعلو ويزحف... ويرقص... يفيض وينقُص... جسدٌ محتلّ ينزف كأنّه يتنفّس ويتنفّس كأنّه ينزِف...

ينجح العمل، إلى حدّ بعيد، في صياغة نصّ بصري حركي جارح في أناقته وغزارته التعبيرية... نصّ قوي ومؤلم ويائس كحرب أهلية... لكنّه لا يتخلّى عن الرقّة والعذوبة، بل يُشهرهما سيفاً من أنوثة مقاوِمة في وجه القسوة… والصمت... والموت.


* شاعر واختصاصي نفسي عِيادي من فلسطين
 

المساهمون