جاك لانغ الذي لا يريد مغادرة "معهد العالم العربي"

04 مارس 2023
جاك لانغ بمكتبه في "معهد العالم العربي" (Getty)
+ الخط -

منذ تأسيسه عام 1987، تناوب على إدارة "معهد العالَم العربي" في باريس أكثر من عشرة رؤساء، إلّا أن أحداً منهم لم يشغل هذا المنصب لمدّة تزيد عن المدّة التي يقضيها رئيس المعهد الحالي، جاك لانغ، منذ عام 2013. في هذه الأعوام العشرة، جُدّدت ولاية وزير الثقافة الفرنسي الأسبق ثلاث مرّات، و"بالإجماع" في كلّ مرّة. 

لكنّ كل هذا "المجد" لا يبدو كافياً لـ لانغ، الذي لم يُخفِ، خلال الأسابيع الأخيرة، نيّته الترشّح لفترة رابعة، وذلك رغم بلوغه الثالثة والثمانين من العمر (من مواليد 1939)، ورغم صعود العديد من الأسماء السياسية الراغبة، هي أيضاً، في إدارة هذه المؤسّسة التي تموّل الدولةُ الفرنسية القسمَ الأكبر من مصاريفها، وتساعدها في ذلك عدّة بلدان عربية أو جهات أهلية واقتصادية عربية.

وتبدو المنافسة التي يواجهها لانغ، هذه المرّة، أكثر صعوبةً من الدورات السابقة، حيث أبدى تسعة سياسيين ودبلوماسيين سابقين رغبتهم في الحلول محلّه بدءاً من يوم الإثنين المقبل، السادس من آذار/ مارس الجاري، الذي من المفترض أن يكون يومَ الإعلان عن الرئيس الجديد للمعهد (أو عن تجديد ولاية الرئيس الحالي). 

يذكّر المدافعون عن بقائه بمضاعفته لعدد زوّار المعهد

وعلى رأس الأسماء التي يواجهها لانغ، يحضر وزير الخارجية الفرنسي السابق (2017 ــ 2022) جان إيف لو دريان، الذي يُعَدّ من المقرّبين من الرئيس الحالي، إيمانويل ماكرون. وليست هذه المعلومة حول قرب لو دريان من ماكرون بالنافلة: فاختيار رئيسٍ لـ"معهد العالم العربي" (وكذلك لمؤسّسات ثقافية أُخرى، مثل "متحف اللوفر"، و"المكتبة الوطنية" في باريس، وغيرهما)، أو الموافقة على تجديد ولايته، يبقى قراراً يتّخذه الرؤساء الفرنسيون شخصياً.

ورغم معرفته برغبة زميله السابق في "الحزب الاشتراكي" بالمنصب، وبحظوظه الكبيرة في نيله، إلّا أن لانغ أكّد، أكثر من مرّة، في لقاءاته الصحافية الأخيرة، وفي طلّاته المصوّرة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، أنه إذا ما حلّ في مكانٍ ما، فإنه يقيم فيه "إلى الأبد"، كما سبق أن نقلت عنه صحيفة "لوموند" مطلع شباط/ فبراير الماضي. 

وفي وجه المنتقدين لتمسُّكه بهذا المنصب رغم مضيّ سنوات على وجوده فيه ورغم تقدّمه في العمر، لم يتردّد الرجل الذي ترك بصمة على المشهد الثقافي الفرنسي حين كان وزيراً للثقافة (تأسيس العديد من المرافق الثقافية، ورفع ميزانية وزارة الثقافة، وتكثيف حضور الفنون والأدب في المناهج التعليمية، إلى جانب تحديد أسقف لأسعار الكتب، وتأسيس العديد من المهرجانات والفعاليات الفنية والموسيقية التي لا تزال مستمرّة حتى هذا اليوم) بالقول إنه "فخورٌ بكونه ديناصوراً"، وهو ما يشير، مرّة أُخرى، إلى إصراره على عدم مغادرة مكتبه في "المعهد" المجاور لنهر السين.

هل يتمسّك بمنصبه حبّاً بالثقافة العربية أم بوظيفة مربحة؟

يذكّر لانغ، والمدافعون عنه، بحصيلته "الاستثنائية" خلال السنوات الماضية، وتحديداً قبل جائحة كورونا، حيث تضاعف عدد الحضور السنوي الاعتيادي من نحو 500 ألف زائر للمعهد إلى أكثر من مليون زائر عام 2014، وأكثر من 750 ألف زائر بين 2015 و2017، ليفوق العدد مليونَي زائر عام 2017، لأوّل مرّة منذ تأسيس المعهد. كلّ هذا ــ يقول المدافعون عنه ــ بفضل البرمجة الثقافية التي وفّرها لانغ وفريق عمله، مستفيداً من شبكة علاقات واسعة مع المؤسسات السياسية والثقافية العربية، والتي سهّلت له إقامة معارض حظيت بمتابعة من الجمهور وبتغطيات إعلامية استثنائية.

صحيحٌ أنّ جاك لانغ يبدي، منذ زمن، حُبّاً للثقافة العربية وللغة العربية، التي يُعَدّ من أبرز الداعين لتكثيف حضورها في المناهج التعليمية الفرنسية، والتي دافع عن حضورها ببلده في كتاب نشره عام 2020 تحت عنوان "اللغة العربية: كنزٌ لفرنسا"؛ إلّا أنّ رغبته الشديدة هذه في المحافظة على منصبه لا يُمكن أن تُفهم بمعزل عن المكانة التي توفّرها رئاسة المعهد، بين راتبٍ شهريّ يُقارب عشرة آلاف يورو، وتنقُّل إلى عواصم ومدن ومعالم ثقافية عربية باتت، خلال السنوات الماضية، جزءاً أساسياً من نمط حياة الوزير الفرنسي الأسبق الذي لم يُخفِ، في حوار جديد لصحيفة "لوموند"، نشرته في الثامن والعشرين من الشهر الماضي، أنّه في حال لم يستطع البقاء في مكانه بباريس، فإنه سينهض مجدّداً "في فرنسا أو في مكان آخر". هل يقصد العالَم العربي؟

المساهمون