ثيدا سكوكبول.. في أصول الثورات والتحوّلات الاجتماعية

13 يوليو 2021
(مظاهرات العمّال في مدينة بتروغراد خلال الثورة الروسية عام 2017، Getty)
+ الخط -

صدرت عن سلسلة "ترجمان" في "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" بالدوحة النسخة العربية من كتاب "الدول والثورات الاجتماعية: دراسة مقارنة بين فرنسا وروسيا والصين" لعالمة الاجتماع الأميركية ثيدا سكوكبول (1947) بترجمة نبيل الخشن.

يشرح الكتاب الذي نُشرت طبعته الأولى بالإنكليزية عام 1979، بنى الدولة والقوى الدولية والعلاقات الطبقية، ويبيّن كيف تجتمع هذه العوامل الثلاثة لشرح أصول التحوّلات الاجتماعية الثورية وإنجازاتها، ويقدّم إطارًا مرجعيًا جديدًا لتحليل أسباب هذه الثورات والنزاعات الناجمة عنها ونتائجها. 

وتقدّم المؤلّفة تحليلًا تاريخيًا مقارنًا لحالات رئيسة ثلاث: الثورة الفرنسية من عام 1787 حتى أوائل القرن التاسع عشر، والثورة الروسية من عام 1917 حتى ثلاثينيات القرن العشرين، والثورة الصينية من عام 1911 حتى ستينيات القرن العشرين. 

وترى أن هذه الحالات متشابهة على الرغم من حدوثها على مدى قرن ونصف، لأنها كانت ثورات اجتماعية. تنطلق المؤلفّة من فرضية أن نظريات الثورة الحالية، الماركسية منها وغير الماركسية، غير كافية لتفسير الأنماط التاريخية الفعلية للثورات؛ فتحثّ على تبنّي منظورات جديدة في قراءة الثورات. وتؤكد أن النظر إلى الدول، بوصفها منظمات إدارية وقسرية قد تكون مستقلّة عن الضوابط والمصالح الطبقية، يجب أن يكون أساسًا في تفسير الثورات.

يتناول الكتاب بنى الدولة والقوى الدولية والعلاقات الطبقية في الثورات الفرنسية والروسية والصينية

في مقدمة الكتاب والفصل الأول، "تفسير الثورات الاجتماعية: بدائل من النظريات الموجودة"، تقول سكوكبول إن فرنسا وروسيا والصين أظهرت أوجه تشابه في أنظمتها القديمة وسيروراتها ومآلاتها الثورية - وهي أوجه تشابه أكثر من كافية لتبرير معاملتها معًا كنمط واحد يستدعي تفسيرًا سببيًا متماسكًا. فقد حدثت الثورات الثلاث في دول زراعية غنية وطموحة سياسيًا، لم يخضع أي منها قط للاستعمار. كانت هذه الأنظمة القديمة أنظمة بيروقراطية - ابتدائية قائمة على حكم الفرد، تعيّن عليها فجأة مجابهة منافسين عسكريين أكثر تطورًا من الناحية الاقتصادية.

"تأزُّم أوضاع دول الأنظمة القديمة" عنوان الفصل الثاني الذي يتناول إدراك ماهية بنى الأنظمة القديمة والصعوبات التي كانت عرضة لها في الأوقات التي سبقت اندلاع الثورات، من أجل فهم طبيعة الأزمات السياسية التي أطلقت الثورات الفرنسية والروسية والصينية وأسبابها. ففرنسا وروسيا والصين ما قبل الثورة كانت بلدانًا تحفظ تماسكها أنظمة ملكية استبدادية منصبّة على مهمات حفظ النظام الداخلي والتعامل مع الأعداء الخارجيين. وكان فيها دول إمبراطورية، هي عبارة عن تسلسلات هرمية إدارية وعسكرية متباينة ومنسّقة مركزيًا، تعمل بإشراف الأنظمة الملكية المطلقة.

في الفصل الثالث، "البنى الزراعية والانتفاضات الفلاحية"، تتحدّث سكوكبول عن وقوف الفلاحين ضد الأسياد الإقطاعيين في الثورة الفرنسية، وثورة القرى الفلاحية الجماعية في روسيا، وغياب الانتفاضات الفلاحية في الثورتين الإنكليزية والألمانية، وعجز الفلاحين وهشاشة الطبقة العليا في الصين. 

غلاف الكتاب

يوضّح الفصل الرابع، "ما الذي تغيّر وكيف: التركيز على بناء الدولة"، كيف أن القيادات ذات التوجه الأيديولوجي في الأزمات الثورية كانت محدودة جدًّا بفعل الأوضاع البنيوية القائمة، "كما كانت عرضة لتأثيرات شديدة ناتجة من التيارات الثورية المتغيرة بسرعة. وهكذا انتهى بها الأمر عادة إلى إنجاز مهام شديدة الاختلاف وتعزيز توطيد أنواع من الأنظمة الجديدة مختلفة جدًا عن تلك التي كانت في الأصل (ربما على الدوام) تنوي أيديولوجيًا إقامتها. ويجب ألا يبدو هذا مستغربًا عندما ندرك هذه الحقيقة البسيطة ونفكّر بها: الأزمات الثورية ليست نقاط قطيعة تامة في التاريخ تجعل فجأة أي شيء ممكنًا إذا توخاه ثوار عازمون! وهنالك أسباب عدة لكون الأمر على هذا النحو. فالأزمات الثورية لها، من ناحية أولى، أشكال محددة، وهي تخلق تسلسلات من الممكنات والمستحيلات، طبقًا لكيفية نشوء هذه الأزمات أصلًا في أنظمة قديمة معينة بموجب أوضاع معينة".

في الفصل الخامس، "ميلاد صرح دولة حديثة في فرنسا‘"، تتفحّص سكوكبول مسار الثورة الفرنسية ومآلاتها من عام 1789 حتى توطيد النظام النابليوني. وتنتهي إلى أن فرنسا ــ بعد قرن من عام 1789 ــ كانت لتصبح دولة صناعية رأسمالية. لكنها في التصنيع الرأسمالي ظلّت موسومة بخصوصيات اجتماعية ومؤسسية: "فعلى الرغم من أجيال من التنمية الاقتصادية الحديثة، ظلت أعداد كبيرة من الفلاحين الفرنسيين متمسكة بالأرض كمستأجرين أو مالكين صغار؛ وكانت الدولة الوطنية الفرنسية على الدوام قوة كبرى في الحياة الاقتصادية، تصنع الفرص للمستثمرين من القطاع الخاص وتحطمها وتشكّل بعمق ملامح التنمية الاقتصادية الإقليمية والقطاعية". 

في الفصل السادس، "نشوء دولة حزب دكتاتورية في روسيا"، تشير المؤلّفة إلى أنّ الثورة الروسية تعمّقت واتّخذت منحى راديكاليًا على نحو مفاجئ أكثر كثيرًا، قياسًا على الثورة الفرنسية، بسبب الطرائق المتباينة التي نشأت بها أصلًا الأزمتان السياسيتان في الحالتين، وأنه جرى توطيد الثورة الروسية من خلال وسائل ربما كانت أكثر إكراهًا واستبدادًا ممّا كان في الثورة الفرنسية؛ لأنه قد تعيّن في روسيا التي مزقتها الحروب بناء جيوش ثورية من الصفر بالكامل، بينما كان في إمكان اليعقوبيين في فرنسا توسيع الجيوش الدائمة الموجودة سابقًا.

تحلّل سكوكبول "صعود دولة حزب قائمة على تعبئة الجماهير في الصين" التطورات في الصين بعد عام 1911، مرورًا بعام 1949، وحتى ستينيات القرن العشرين. تقول: "لئن كانت مآلات الثورة الصينية متميّزة (خصوصًا مقارنة بالنظام الشيوعي الروسي)، فإنّ السؤال البدهي يكون: لماذا كان هذا صحيحًا؟ في رأيها، هناك ثلاث مجموعات من العوامل المهمة بشكل خاص: التركات الاقتصادية الموروثة عن النظام القديم، والحقائق الاستراتيجية لحقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية، والقدرات السياسية المتميزة التي راكمها الحزب الشيوعي الصيني في أثناء صعوده إلى السلطة".

آداب وفنون
التحديثات الحية
المساهمون