تونس العتيقة.. تلميع لما بقي من أطلال

12 أكتوبر 2020
من تونس العاصمة (Getty)
+ الخط -

في السنوات الأخيرة، يمكن أن نلاحظ اهتماماً رسمياً في تونس بترميم معالم تاريخية كثيرة في المدن ذات الطابع الإسلامي، ومنها مدينة تونس العتيقة، والتي كانت مهملة لعقود قبل أن تتدافع حولها مشاريع الترميم ومن ورائها مخطّطات الاستثمار السياحي. بشكل عام، يمكن القول إن هذه الجهود ذات أهمية بالغة في حماية التراث وتثمينه وإعادة إدماجه في الحياة العامة، لكن من زاوية أُخرى يثير عدم انتظام هذه الجهود تساؤلات عدّة.

مؤخّراً، أعلنت "دائرة صيانة المعالم والمواقع" التابعة لـ"محافظة مدينة تونس" عن إنهاء مجموعة من مشاريع ترميم معالم تاريخية أبرزها الجدران الأثرية بالقرب من "باب الخضراء" و"باب العسل"، ومئذنة "جامع يوسف صاحب الطابع"، والحنايا الحفصية بباردو وغيرها. 

تعدُّد هذه المشاريع دفعةً واحدة يكشف عن أخطاء سابقة قامت بها الدولة التونسية في إدارة معمار العاصمة، فمثلاً يمكن اعتبار ترميم الجدران التاريخية نوعاً من التكفير عن ذنب عقود ما بين الخمسينيات والسبعينيات، حين رأى النظام أن هدم الجدران سيكون عنواناً لتحديث تونس، ضمن رؤية تُناظر بين المدينة العتيقة كرمز للروح المحافظة والمدينة الحديثة (الموروثة عن الاستعمار) كرمز للتحرّر والرغبة في التقدّم الحضاري، وهو خيار كان له وجه عمراني، فالمدينة كانت تضيق بموجات الهجرات الداخلية من مناطق أُخرى من البلاد، ولم تكن هناك سياسات إسكان وقتها لتشتغل على توفير السكن في أماكن قريبة من العاصمة.

تعدُّد مشاريع الترميم يكشف أخطاء سابقة قامت بها الدولة التونسية

لم تنته الدولة التونسية من خيار "هدم" حيطان وأبواب المدينة العتيقة إلّا في نهاية سبعينيات القرن الماضي حين صنّفت منظّمة "اليونسكو" مدينة تونس العاصمة ضمن التراث المعماري العالمي، وهو ما قَلب دور الدولة من مشرف على الهدم (بالجملة) إلى حارس ضد أي اعتداء على التراث المعماري مهما كان بسيطاً. 

لا يبدو أن وعياً كان يقف وراء هذا الحرص المفاجئ، كلّ ما في الأمر أنه بدأ استشعار العائدات الاقتصادية من السياحة التي تحوّلت إلى رهان سياسي شامل في تسعينيات القرن الماضي، لتبدأ موجة من الترميمات سرعان ما اصطدمت بإشكاليات عقارية عدّة، ما جعل مدينة تونس العتيقة تأخذ وجهَين؛ الأول مشرق موجّه للسياح، والثاني رثّ تسكنه طبقات فقيرة.

عودة موجات الترميم اليوم هي عودة لما تبقى من هذا المسار التاريخي المتعرّج، فمدينة تونس كانت محاطة بالجدران حتى نهايات القرن التاسع عشر، وقتها بدأت تترهّل المباني التي أنشئت في العصر الحفصي (بين القرنين 12 و15) ولم تجد نزعة ترميمية مع واقع البلاد الجديد زمن الاستعمار ثم خيارات دولة الاستقلال المشوّشة. 

النتيجة أن عملية الترميم التي تقودها الدولة اليوم إنما هي ترميمات لبضعة أمتار، فيما ذهبت أخطاء السياسات العمرانية بمعظم معمار هذه الجدران، بل إن بعض المعالم جرى بيع قطع أراض سكنية مجاورة لها، كما هو الحال مع حنايا باردو، ما يجعل من الترميم مجرّد تلميع لما بقي من أطلال.

آداب وفنون
التحديثات الحية
المساهمون