في السنوات الثلاث الأخيرة، يمكن أن نلمس نزعة نحو تطوير أداء "معرض القاهرة الدولي للكتاب" ومن ورائه قطاع النشر في مصر. بدأ ذلك مع تحويل مكان المعرض إلى فضاء جديد، وإقصاء تدريجي لمظاهر عُرف بها المعرض مثل تخصيص مساحة كبيرة لبيع الكتب القديمة، وبدأت تظهر بالتدريج انشغالات المهنيين في برنامج المعرض بعد أن كانت الندوات والمحاضرات الثقافية هي الشكل المهيمن من الفعاليات. كما أن الجائحة فرضت دخول منطق تسويقيّ جديد يعتمد على التجارة الإلكترونية، وبدأ الناشرون يعتمدون الصيغ المرقمنة بعد أن كانت أقرب إلى محظور لا يودّ أحد الاقتراب منه.
تظهر هذه التوجّهات للتجديد على مستوى الخطاب والطموحات أكثر مما هي في الواقع. وسيكون سد الفجوة بين هذا وذاك الرهانَ الأساسي لقطاع النشر في مصر خلال السنوات المقبلة.
ضمن فعاليات الدورة الحالية من المعرض التي تختتم اليوم، أقيمت فعالية بعنوان "البرنامج المهني" وفيها تناقش ناشرون ومسؤولون في مختلف مؤسسات الدولة المتقاطعة مع صناعة الكتاب حول أبرز النقاط التي ينبغي التفكير على المستويين القريب والبعيد.
التطويرات الطفيفة لا يمكنها أن تستوعب التحوّل الرقمي قريباً
في اليوم الختامي لأشغال "البرنامج المهني"، يوم الجمعة الماضي، جرت صياغة مجموعة من المقترحات والتوصيات، التي "تهدف إلى النهوض بصناعة النشر في مصر" بحسب المشاركين في البرنامج.
وردت هذه التوصيات في سبع نقاط؛ هي: "الاستمرار في النهوض بالبنية التحتية بدعم التحوّل الرقمي، ودعم الناشرين بالتدريب وكافة الوسائل لتأهيل الناشرين إلى هذه المرحلة المهمة فى صناعة النشر"، و"دعم صنّاع المحتوى الثقافي سواءً أكان مكتوباً، أو مرئياً، أو مسموعاً، ودعم أو إنشاء المنصات المعنية بإنتاج وتقديم محتوى عربي ثقافي"، تنظيم الورش التدريبية لبائعي الكتب في المكتبات ودور النشر"، و"إطلاق مبادرات مبتكرة متنوعة معنية بكتب الأطفال، لتوسيع وتنمية رقعة القراءة بينهم"، و"إنشاء مكتبات إلكترونية صوتية، تتماشى مع التطور التكنولوجي في صناعة النشر حول العالم"، و"العمل على دراسة سوق النشر بما يكشف عن نقاط الضعف والقوة، والتكامل بين دور النشر والمكتبات، وتسويق الإصدارات بمختلف أشكالها"، و"وضع جدول زمني يبدأ مع نهاية الدورة الـ53 من عمر معرض القاهرة الدولي للكتاب، وحتى بداية الدورة الـ54، لمتابعة كافة التوصيات التى خرج بها البرنامج المهني".
فارق شاسع بين ما تعلنه هذه التوصيات وواقع قطاع النشر في مصر. يكفي أن نقارن بين هذه التوصيات التي تسبح في الفلك الرقمي وما يدور على أرض الواقع في المعرض، ففي النهاية من يصنع التغيير في قطاع النشر هم الناشرون، ولا يبدو أن هناك رؤية جديدة تقطع مع الماضي، فنحن نقف على نفس التقنيات الدعائية والسياسات المضمونية والبصرية في ما عدا تغييرات طفيفة. بعد تغيير كل ذلك يمكن وقتها الحديث بجدية عن التوصيات السبع التي اقترحها "البرنامج المهني".