تشو وي.. اعتراف متأخّر بمجنون عصره

05 ديسمبر 2020
(من المعرض)
+ الخط -

بقدر ما يُستعاد تشو وي بوصفه أحد المؤثّرين في تاريخ الرسم الصيني؛ حيث قلّدَ أسلوبَه الغرائبي العديدُ من الفنّانين على مدار أجيال متعاقبة، ظلّت سيرتُه تُستذكر مرتبطةً بمحاولاته المتكرّرة للانتحار، وإصابته بالبارانويا، وسجنه لسبعة أعوام بعد مقتل زوجته قبل أن يُفرَج عنه لاتهامه بالجنون، إلى جانب فقره الشديد. ولعلّ تلك العناصر مجتمعةً كانت سبباً في عدم تلقّي رسوماته تقديراً إلّا بعد رحيله بمدّة طويلة.

بدءاً من العام المقبل، تُقام عدة معارض استعادية للفنان والشاعر الصيني (1521 - 1593)، كما أعلنت "رابطة الفنّانين الصينيّين" تنظيم "منتدى الفن الوطني" في آذار/ مارس المقبل بمدينة شاوشينغ في مقاطعة تشجيانغ؛ مسقط رأسه، احتفالاً بمرور خمسمئة عام على ميلاده.

وُلد وي يتيمَ الأب، ثمّ رحلت والدتُه أيضاً وهو في الرابعة عشرة من عمره، وقد تزوّج للمرّة الأولى إلّا أن زوجته ماتت بعد خمسة أعوام من ارتباطهما، كما حاول اجتياز اختبار الالتحاق بالخدمة المدنية ثماني مرّات وفشل فيها جميعاً، قبل أن يجرى تعيينه من قِبَل أحد جنرالات الجيش الصيني. لكنّ فقدانه منصبَه أصابه بعدّة اختلالات نفسية؛ حيث شُخّص أنه مصاب بـ"ثنائي القطب" الذي كان أحد الاضطرابات العقلية المصنَّفة في الصين آنذاك.

كسرت كتابته القلقة والساخرة نمطية القصيدة في زمنه

جملة عوامل من الألم وعدم الاعتراف قادته إلى التفرّغ للرسم وكتابة الشعر الذي نشره بأسماء مستعارة؛ مثل "رجل الجبل من البركة السماوية"، وقد جُمعت قصائده في ثلاثين فصلاً قدّم لها وشرحها الشاعر يوان هونغداو (1568 - 1610)، موضّحاً تأثّره مع العديد من مجايليه بشعر وي الذي امتزج بالعاطفة والغرور معاً، وكان لاذعاً في نقده ويمتلك روح السخرية، ويعكس مشاعره الحقيقية المشبعة بالقلق حيال العالم وسبل الانغماس فيه، وهي عناصر اعتُبرت كسراً لنمطية القصيدة في زمنه.

عاد وي إلى مدينته شاوشينغ وعاش من بيع رسوماته وأعماله الحروفية التي كانت بالكاد تغطّي نفقاته البسيطة، ما اضطرّه إلى بيع مكتبته التي تضمّ مئات العناوين، وظلّ مقيماً في عزلته برفقة كلبه فوق حصيرة يجلس عليها، وإلى جانب امتهانه الرسم كتب أربع مسرحيات منها: "البطلة مولان تذهب للحرب بدل والدها"، و"مغامرات هوانغ تشونغجيا الذكي"، واعتبر أن مضامين هذه الأعمال تدافع عن حقوق المرأة التي لم تلق بالاً في تلك الحقبة.

عُرف عنه أسلوبُه المتفرّد بالرسم المبني على تناثر الحبر بكميات كبيرة تُسكب فوق سطح الورق، والذي نُظر إليه كنوع من التجديد في عصر سلالة مينغ التي حكمت الصين بين القرنين الرابع عشر والسابع عشر، بضربات فرشاته القوية والحادّة، وهو ما لم يُعترَف به إلا في فترة لاحقة.

يعتقد الدارسون أنَّ المرحلة الأخيرة من حياته هي الأكثر غنى وعمقاً، وبدت المناظر الطبيعية في لوحاته أكثر اختزالاً وتجريداً مقارَنةً بفنّاني جيله، كما يشير عدّدٌ من النقّاد ومؤرّخي الفن الذين درسوا تجربته، واهتمّوا بتقنياته في استخدام الحبر؛ وفي توزيع الكتل على الورق بأسلوب جامح ومبتكَر.

آداب وفنون
التحديثات الحية
المساهمون