ما زال النصُّ الذي نقله لنا الجغرافي الفارسي أحمد بن عمر الأصفهاني الشهير باسم ابن رستة (رحلَ نحو 300هـ/ 912م) في موسوعته الكوزموغرافية "الأعلاق النفيسة"، حول شعوب حوض الفولغا وشرقي أوروبا، لغزاً يحيّر الباحثين، فهو مكتوب على الأرجح في عهد الخليفة هارون الرشيد أو ربّما قبل ذلك، لأن أسماء بعض الملوك المذكورين يشيرُ إلى تلك المرحلة، وهو ما جعل البعض يخمّن بأنه نصٌّ آخر من نصوص مسلم بن مسلم الجرمي.
يصف الرحَّالة المجهول أحوال الخزر والبجاناك والروس والبلغار والبرداس والمَجر والهنغار والصقالبة، وهي شعوب كانت تعيش في حوض الفولغا العظيم حوالي العام 800 ميلادي أو قبل ذلك بقليل، ولذلك يعدُّ هذا النص واحداً من أندر النصوص حول تلك الشعوب التي انتقلت قبل وبعد الاجتياح المغولي بقيادة هولاكو إلى أوروبا، وباتت تشكل شعوباً أوربية مستقلّة في وقتنا الحالي.
والنص الذي ينقله ابن رستة ربّما سبق نصَّ ابن فضلان بأكثر من قرن، ولذلك فإن تفاصيله تختلف إلى حدٍّ كبيرٍ عن نصّ ابن فضلان بالغ الأهمية، وكذلك عن نصّ الإصطخري المهمّ هو الآخر عن مملكة الخزر في الفترة التي تلت رحلة ابن فضلان.
بلاد الخزر
يقول الرحالة المجهول: "بين بلاد البجاناكيّة والخزر مسيرة عشرة أيّام في مفاوز (صحارى) و مشاجر (غابات)، وليس بينها و بين الخزر طريقٌ مسلوكٌ ومناهج مقصودة، إنّما مسيرهم في مثل هذه المشاجر والغياض حتّى يوافوا بلاد الخزر، وبلاد الخزر بلاد عريضة يتّصل بإحدى جنباتها جبلٌ عظيم (المقصود جبل القوقاز)، وهو الجبل الذى ينزل في أقصاه طولاس ولوغر، ويمتدّ هذا الجبل إلى بلاد تفليس، ولهم ملك يقال له إيشا، والملك الأعظم إنّما هو خزر خاقان، وليس له من طاعة الخزر إلّا الاسم، ومقدَّر الأمر على إيشا إذا كان في القيادة والجيوش بالموضع الذي لا يُبالى معه بأحد فوقه، ورئيسهم الأعظم على دين اليهود، وكذلك إيشا، ومن يميل ميله من القوّاد والعظماء، والبقيّة منهم على دين شبيه بدين الأتراك (المقصود الديانة الشامانية)، ومدينتهم سارعشن، وبها مدينة أخرى يقال لها "هب نلع" ومقام أهلها في الشتاء في هاتين المدينتين، فإذا كان أيّام الربيع خرجوا إلى الصحارى، فلم يزالوا بها إلى إقبال الشتاء".
ويشير الرحّالة المجهول إلى وجود مسلمين في مدينتي الخزر المذكورتين، "وفي هاتين المدينتين خَلْقٌ من المسلمين لهم مساجد و أئمّة ومؤذّنون وكتاتيب، قد وظّف ملكهم إيشا على أهل القوّة واليَسار منهم فرساناً على قدر أموالهم واتّساع أحوالهم في المعاش، وهم يغزون البجاناكيّة في كلّ سنة، وإيشا هذا يتولّى الخروج بنفسه، ويخرج في مغازيه بعساكره، ولهم جمال ظاهر، وإذا خرجوا في وجه من الوجوه، خرجوا بأسلحة تامّة محلّاة وأعلام، وطرّادات، وجواشن محكمة، وركوبه في عشرة آلاف فارس، ممّن هو مرتبط، أجرى عليهم وفيهم من قد وظّف على الأغنياء، وإذا خرج لوجه من الوجوه هُيِّئ بين يديه مثل شمسة، على صنعة الدّفّ يحتمله فارس يسير به أمامه، فهو يسير وعسكره خلفه، يبصرون ضوء تلك الشمسة، فاذا غنموا جمعوا تلك الغنائم كلّها في معسكره، ثم اختار إيشا منها ما أحبّ وأخذه لنفسه، وأطلق لهم باقي الغنيمة ليقتسموها بينهم".
بلاد برداس
وينتقل رحّالتنا للحديث عن بلاد برداس، "وهي أمة تقع بين الخزَر وبين بلكار، وبينها وبين الخزر مسيرةُ خمسة عشر يوماً وهم في طاعة ملك الخزَر، ويخرج منها عشرة آلاف فارس، وليس لهم رئيس يضبطهم ويجوز حكمه فيهم، وفي كلّ محلّة منهم شيخ أو اثنان يتحاكمون إليه فيما يقع بينهم إلّا أنهم في الأصل مقيمون على طاعة ملك الخزر، ولهم أرض واسعة، وهم في مشاجر، ويغيرون على بلكار والبجاناكيّة، ولهم جَلَدٌ وشهامة، ودينهم شبيه بدين الغزّيّة (أسلاف التركمان)، ولهم رواء ومنظر وأجسام، فإذا كان من أحدهم على الآخر إقدام أو ظلم أو أصابه بجراحة أو طعن، لم يكن بينهم اتّفاق واجتماع على صلح ما لم يأخذ المجروح بثأره، وإذا أدركت الجارية منهم تركت طاعة أبيها واختارت لنفسها من أرادت من الرجال، إلى أن يجيء أباها خاطب، فيخطبها إليه، فيزوّجها منه إن أرادته. ولهم جمال وبقر وعسل كثير، وأكثر أموالهم الدانق (وهي إشارة إلى المقايضة بالوزن)، وهم صنفان صنفٌ منهم يحرق الميّت، والصنف الآخر يدفنه، وهم في سهل من الأرض، وأكثر أشجارهم الخلنج، ولهم مزارع وأكثر أموالهم العسل والدانق والوبر، وسعة أرضهم مقدار سبعة عشر يوماً طولاً وعرضاً".
البلكار المسلمون
وحول بلاد بلكار يقول: "إنها متاخمة لبلاد برداس، وهم نزولٌ على حافة النهر الذي يصبّ في بحر الخزر المسمّى أتل (الفولغا) وهم بين الخزر والصقالبة، وملكهم يسمّى ألمُش، وهو ينتحل الإسلام، وأرضوهم غياض ومشاجر ملتفّة، وهم حلول فيها، وهم ثلاثة أصناف صنف منهم يسمّى برصولا، والصنف الآخر أسغل، والثالث بلكار، ومعاشهم كلّهم في مكان واحد، والخزر تتاجرهم وتبايعهم، وكذلك الروسيّة إليهم يصيرون بتجاراتهم، وكلّ من كان منهم على حافتي ذلك النهر يختلفون بتجاراتهم إليهم كالسمّور، والقاقم، والسنجاب وغيره، وهم قوم لهم زرع وحراثة، يزرعون كلّ الحبوب، من الحنطة والشعير والدخن وغير ذلك، وأكثرهم ينتحلون دين الإسلام، وفي محالّهم مساجد وكتاتيب، ولهم مؤذّنون وأئمّة، والكافر منهم يسجد لكلّ من لقي من محبّيه، وبين برداس وبين هؤلاء البلكاريّة مسيرة ثلاثة أيّام يغزونهم ويغيرون عليهم ويسبونهم، ولهم دوابّ ودروع وسلاح شاك، وهم يؤدّون إلى ملكهم الدوابّ وغير ذلك، وإذا تزوّج الرجل منهم أخذ الملك منهم دابّة دابّة، وإذا جاءتهم سفن المسلمين للتجارة أخذوا منهم العشر. وملابسهم شبيهة بملابس المسلمين، ولهم مقابر مثل مقابر المسلمين وأكثر أموالهم الدانق، وليست لهم أموال صامتة (أي عملات مسكوكة) إنّما دراهمهم الدانق يتراوح الدانق الواحد بينهم بدرهمين ونصف، وإنّما يحمل الدراهم البيض المدوّرة من نواحي الإسلام يبتاعونها منهم".
المجغريّة
وبعد ذلك يحدثنا رحالتنا المجهول عن بلاد المجر القديمة التي يسميها المجغرية، حيث يقول: "بين بلاد البجاناكيّة وبين بلاد أسكل من البلكاريّة، أوّل حدّ من حدود المجغريّة، والمجغريّة جنس من الترك، ويركب رئيسهم في مقدار عشرين ألف فارس، و يسمّى الرئيس كنده (كونت)، وهذا الاسم شعار ملكهم، لأن اسم الرجل المتملّك عليهم جله، وكلّ المجغريّة يصغون إلى ما يأمرهم به رئيسهم المسمّى جله، من محاربة وممانعة وغيرها، ولهم قباب (خيام الترك الشهيرة التي تسمى خركاه) يسيرون مع الكلأ والخصب، وبلادهم واسعة، وحدّ منها يتّصل ببحر الروم (البحر المتوسط)، وينصبّ إلى ذلك البحر نهران، أحدهما أكبر من جيحون، ومساكنهم بين هذين النهرين، فإذا كان أيّام الشتاء، قصد كلّ من كان أقرب منهم من أحد النهرين ذلك النهر وأقام هناك تلك الشتوة، يصطادون منه السمك، ومقامهم في الشتاء هناك أوفق لهم. وبلاد المجغريّة ذات شجر ومياه، أرضهم ندِيّة، ولهم مزارع كثيرة، ولهم الغلبة على جميع من يليهم من الصقالبة، ويلزمونهم المؤن الغليظة، وهم في أيديهم بمنزلة الأسرى، والمجغريّة عبدة النيران، ويغيرون على الصقالبة فيسيرون بالسبايا مع الساحل حتّى يأتوا بهم مرقى بلاد الروم يقال له كرج (جورجيا)، ويقال إن الخزر فيما تقدّم كانت قد خندقت على نفسها اتّقاء المجغريّة وغيرهم من الأمم المتاخمة لبلادهم، فاذا سارت المجغريّة بالسبايا إلى كرج، خرجت إليها الروم فسوّقوا هناك، ودفعوا إليهم الرقيق، وأخذوا الديباج الرومي والزلّيّات وسائر متاع الروم".
الصقلبيّة
وبعد بلاد المجر ينتقل رحّالتنا للحديث عن بلاد الصقالبة وهم السلاف، ويقول: "بين بلاد البجاناكيّة وبين بلاد الصقلبيّة مسيرة عشرة أيّام، والصقالبة في أوائل حدّها مدينة تسمّى وابيب، تسير إليها في مفاوز وأرضين غير مسلوكة، وعيون مياه وأشجار ملتفّة حتّى تأتي بلادهم. وبلاد الصقالبة بلاد سهلة ومشاجر، وهم نزول فيها، و ليس لهم كروم ولا مزارع، ولهم مثل الحُباب من خشب معمول، فيها كور لنحلهم وعسلهم و يسمّونها أليشج، يخرج من الحبّ الواحد مقدار عشرة أباريق، وهم قوم يرعون الخنازير مثل الغنم، وإذا مات منهم ميّت أحرقوه بالنار، ونساؤهم إذا مات لهنّ ميّت قطعن أيديهن ووجوههن بالسكّين، وإذا أحرق ذلك الميّت صاروا إليه من الغد، فأخذوا الرماد من ذلك الموضع، فجعلوه في برنيّة، وجعلوه على تلّ، فاذا انقضى للميّت سنة عمدوا إلى مقدار عشرين حبّ من العسل أو أقلّ أو أكثر، فذهبوا بها إلى ذلك التلّ واجتمع أهل الميّت، فأكلوا هناك وشربوا ثم انصرفوا، وإذا كان للميّت ثلاث نسوة، وزعمت واحدة منهن أنها محبّة له، عمدت عند ميّتها إلى خشبتين فأقامتهما في وجه الأرض، ثم وضعت خشبة أخرى معترضة على رأسهما، وعلّقت من وسطها حبلاً شُدّ أحد طرفيه في عنقها، وهي قائمة على كرسي، فإذا فعلت ذلك أخذ الكرسي من تحتها فبقيت معلّقة حتّى تختنق و تموت، فإذا ماتت أُلقيت في النار وأُحرقت".
عادات الصقالبة
ويضيف: "وهم كلّهم عبَدة نيران، وأكثرُ زروعهم الدخن، فإذا كان أيّام حصادهم؛ أخذوا من حبِّ الدخن في مغرفة ثم رفعوها إلى السماء ويقولون: يا ربّ أنت الذي رزقتنا فأتمِمْه علينا، ولهم ضروب من العيدان والطنابير والمزامير، وطول مزمارهم ذراعان، وعلى عودهم ثمانية أوتار، وأنبذتُهم من العسل، ويطربون عند إحراق الميّت، يزعمون أنهم يفرحون لرحمة ربّه إيّاه، وليس لهم من البراذين إلّا القليل، ولا تكون الدابّة إلّا عند الرجل المذكور، وسلاحهم المزاريق والأترسة والرماح وليس لهم غيرها، ورئيسهم سوبنج، له يُطيعون وعن قوله يصدرون، ومسكنه في وسط بلاد الصقالبة، والمذكور المعروف منهم الذي يُقال له رئيس الرؤساء يسمّونه "سويّت بلك"، وهو أجلّ من سوبنج، وسوبنج خليفته، ولهذا الملك دوابّ، وليس له أكل من الأطعمة إلّا ما يحلب من ألبانها، وله الدروع الجيّدة الحصينة النفيسة، وتسمّى المدينة التي ينزلها جرواب، ولهم بها سوق في الشهر ثلاثة أيّام يتبايعون فيها ويَبيعون، وفي بلادهم يستحكم البرد ويشتدّ، حتّى يحفر الرجل منهم مثل السرب تحت الأرض ثم يجعل له سقفاً من خشب مثل الكنيسة، ثم يُلقى عليه التراب ويدخله الرجل بعياله، ويجيء بحطبٍ وحجرٍ قليلٍ، ثم يضرب فيه النار حتّى يحمى ويحمرَّ فإذا صار إلى غايته؛ رشّ عليه الماء حتّى ينشر في ذلك البخار، فيدفأ البيت فيلقون ثيابهم، ولا يزالون في ذلك البيت إلى أيّام الربيع، ويجبيهم (أي يجبي منهم الضرائب) ملكُهم في كلّ سنة، إنْ كان للرجل منهم ابنةٌ أخذ من ثيابها خلعة في السنة مرّة، وإن كان له ابنٌ أخذ من ثيابه خلعة في السنة مرّة أخرى، وإن لم يكن له ابنٌ ولا ابنة أخذ من ثياب امرأته أو جاريته خلعة، وإن أخذ لصّاً في مملكته أمر بخنقه أو جعله في جيرة عمالة أقصى بلدانه (يعني أنه ينفيه).
الروس القدماء
وربّما هذا النصّ هو أقدم نصٍّ حول الشعب الروسي القديم، حيث يقول رحّالتنا: "أما الروسيّة فإنهم في جزيرة حواليها بحيرة، والجزيرة التي هم فيها نزول، مسيرة ثلاثة أيّام، مشاجر وغياض، وهي وبيّة ندية، إذا وضع الإنسان رِجله على الأرض تزلزلت الأرض من نداوتها، ولهم ملك يسمّى خاقان روس، وهم يغزون الصقالبة، يركبون السفن حتى يخرجوا إليهم ويسبوهم، ويخرجوهم إلى خزران، وبلكار يبيعونهم منهم، وليس لهم مزارع، إنّما يأكلون مما يحتملونه من أرض الصقالبة، وإذا وُلد لرجل منهم مولود قدّم إلى المولود سيفاً مسلولاً فألقاه بين يديه وقال له: لا أورثك مالاً، وليس لك إلّا ما تكسبه لنفسك بسيفك هذا. وليس لهم عقار ولا قرى ولا مزارع، إنّما حرفتهم التجارة في السمور والسنجاب وغير ذلك من الوبر، فيبيعونه من مبتاعيهم، ويأخذون بالأثمان الصامت من المال، فيشدّونه في أحقابهم، ولهم نظافة في لباسهم، ويتسوّر الرجل منهم بأسورة الذهب، ويحسنون إلى رقيقهم، ويتنوّقون في ثيابهم لأنهم يتعاطَون التجارة، ولهم مدائن كثيرة، ويوسّعون على أنفسهم، ويكرمون أضيافهم، ويُحسنون إلى من يلوذ بهم من الغرباء، وكلّ من ينتابهم، ولم يسوّغوا أحداً منهم اهتضامهم، ولا الجور عليهم، وكلّ من أقدم عليهم بمكروه أو ظلم أعانوهم ودفعوا عنهم".
شعبٌ محارِب
ويصف لنا حالة التضامن الحربي التي يعيشها هذا الشعب: "ولهم السيوف السليمانيّة، وإن استنفرت طائفة خرجوا جميعهم ولم يتفرّقوا، وكانوا يداً واحدة على عدوّهم حتّى يظفروا بهم، وإن ادّعى واحد منهم على آخر دعوى؛ حاكمه إلى ملكهم واختصما، فإن قطع بينهما، كان الذي يريد، وإن لم يتّفقا على قوله أمر أن يتحاكما بسيفيهما، فأي السيفين كان أحدّ كانت الغلبة له، فخرجت العشيرتان فقامتا بأسلحتهما فتجالدا فأيّهما كان أقدر على صاحبه كان المحكّم في خصمه بما يريد".
ويشير رحّالتنا إلى أنّ الأطبّاء - الكهنة في المجتمع الروسي القديم كانت لهم سطوة حتى على الملوك، "يحكمون على ملكهم شبه أرباب لهم يأمرونهم أن يتقرّبوا بما يريدون إلى خالقهم من النساء والرجال والكراع، وإذا حكمتِ الأطبّاء لم يجدوا بُدّاً من الانتهاء إلى أمرهم، فيأخذ الطبيب الإنسان والبهيمة منهم، فيطرح الحبل في عنقه، فيعلّقه في خشبة حتّى تفيض نفسه، ويقول إن هذا قربان لله".
ويمتدح شجاعتهم بقوله: "لهم رجلة وبسالة، فإذا نزلوا بساحة قوم لم ينصرفوا عنهم دون أن يهلكوهم ويستبيحوا حرمهم، ويسترقّوهم، ولهم جثث ومنظر وإقدام، وليس إقدامهم على الظهر، وإنّما غزوهم ومعالجتهم في السفن، ولهم سراويلات قد اتّخذ الواحدة منها من مائة ذراع، إذا لبسها اللابس منهم جمعها على ركبتيه و شدّها عندهما، ولا يبرز أحدهم لقضاء حاجته وحده، إنّما يصحبه ثلاثة نفر من رفقائه يتحارسونه بينهم، ومع كلّ واحد منهم سيفه لقلّة أمانتهم والغدر الذي فيهم، فإن الرجل إذا كان له قليل مال طمع فيه أخوه وصاحبه الذي معه أن يقتله ويسلبه، وإذا مات الجليل منهم حفروا له قبراً مثل بيت واسع جعلوه فيه، وأدخلوا معه ثياب بدنه، وسواره الذي كان يلبسه من ذهب، وطعاماً كثيراً، وأباريق شراب، ومالاً صامتاً أيضاً، ويجعلون معه في القبر امرأته التي كان يحبّها، و هي بعد حيّة، ويُسدّ عليها باب القبر فتموت هناك".