ترجمات 2021 إلى العربية: ما وصلنا من أفكار

01 يناير 2022
"عبور" للفنانة الروسية المقيمة في تونس، أولغا مالاكوفا
+ الخط -

الحديث عن تضخّم الإنتاج الفكري في العالم ليس جديداً. تشهد عليه كلّ نهاية سنة؛ حصيلة لا يمكن تعدادها من المؤلّفات في تخصّصات شتّى؛ من الفلسفة إلى طيف واسع من العلوم الإنسانية.

كثيراً ما نتحدّث في سياق ثقافتنا العربية عن بطء وصول الإنتاج المعرفي العالمي، وهذا صحيح، وإن كان من الوجيه أن نشير إلى أنه لا توجد ثقافة تستطيع أن تستوعب وتلاحق ما يجري تقديمه من مؤلّفات فكرية حول العالَم. كلّ ما في الأمر أن بطء الترجمة يقابله تسارع في إنتاج المعرفة، ما يخلق حالة من الدُّوار لدى مَن يودّ أن يواكب كلّ جديد. لكنّ ذلك ليس عذراً كي لا تثابر كلّ ثقافة على اللحاق بما يحدث في العالم. فما الذي وصل إلى اللسان العربي من أفكار في 2021؟

صورة يصعب الإمساك بها في ظلّ بقاء جزء ليس بيسير من إصدارات كلّ عام غير مرئيّ بسبب غياب الهمّ التواصلي لدى طيف واسع من دور النشر. ومن جانب آخر، نادرةٌ هي المشاريع العربية التي ترافق قضية الترجمة بكلّ تفرّعاتها (من متابعة الحقوق إلى العناية التدقيقيّة بالنصّ المترجم)، وهو ما يوقعنا ــ في كثير من الأحيان ــ في حالات تكرار ترجمة كتاب سبق أن تُرجم، وفي الذهاب نحو الأقلّ أولويةً على حساب الأكثر أولوية، فضلاً عن هيمنة المصادر الفرنسية والإنكليزية.

هناك حقول معرفية تبدو أنها الأكثر حظوة بعناية المترجمين العرب، منها المعارف اللسانية التي تتراكم ضمنها الترجمات منذ سنوات، ومن أبرز ما وصل هذا العام: "العبارة والمعنى" لجون سورل بترجمة شكري السعدي، و"سوسير ومُؤَوِّلوه" لـ روي هاريس بترجمة أحمد شاكر الكلابي عن "دار الكتاب الجديد"، كما واصل الباحث الجزائري مختار زواوي تقديم فكر سوسير عبر العودة إلى مخطوطاته.

من أكثرالأسئلة إحراجاً في ثقافتنا: لمَن يترجم المترجمون؟

هناك أيضاً تراكمٌ في ترجمة العلوم السياسية، كصدور "سوسيولوجيا الحرب والعنف" لـ سينيشا مالشيفيتش بترجمة طارق عثمان عن "الشبكة العربية للأبحاث والنشر"، و"أفيون الحمقى: بحث في المسألة المؤامراتية" لـ رودي رايشتطادت بترجمة وليد أحمد الفرشيشي عن دار "صفحة سبعة"، و"حياة الديمقراطية وموتها" لـ جون كين بترجمة محمد العزير عن "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" ضمن سلسلة "ترجمان" التي أَضاءت جوائز "حمد للترجمة" مؤخّراً بعضاً من جهودها عبر تتويج "معجم العلوم الاجتماعية" (تحرير كريغ كالاهون، ترجمة معين رومية)، و"البراغماتيون الأميركيون" (تأليف شيريل ميساك، ترجمة: جمال شرف).

ومن أبرز ما قدّمته السلسلة هذا العام: "معرفة متنازع عليها: النظرية الاجتماعية في أيّامنا" لـ ستيفن سيدمان بترجمة مرسي الطحّاوي، و"كيف نكتب التاريخ" لـ بول فاين بترجمة سعود المولى ويوسف عاصي، و"التحريم والتقديس: نشوء الثقافات والدّوَل" لـ مارفن هاريس بترجمة أحمد أحمد.

قليلةٌ هي المشاريع الأخرى المواظِبة على نقل الكتب الفكرية إلى العربية؛ يمكن أن نذكر من بينها جهود "دار التنوير" مع تعريب نصوص المفكّر الفرنسي ميشال دو مونتاني (القرن السادس عشر) في كتاب بعنوان "مقالات" ترجم مادّته جلال الدين سعيّد، ونقل فتحي ليسير كتاب إيمانويل تود "أين نحن من هذا كلّه؟"، كما أصدرت الدار "كيف وصلنا إلى الآن" لـ ستيفن جونسون، و"كيف تُصنع العواطف" لـ ليزا فيلدمان باريت، وكلاهما من ترجمة إياد غانم.

تُواصِل أيضاً "دار الكتاب الجديد" مساهمتها في تعريب الكتاب الفكري، وقد استضافت هذا العام، في اللغة العربية، شخصية فكرية فرنسية جديدة، حيث نُقل عملان للمنظّر الأدبي الفرنسي أنطوان كومبانيون: "لِمَ يصلح الأدب؟" و"شيطان النظرية" وكلاهما من ترجمة حسن الطالب. كما أن الدار أطلقت الطبعة الثانية من عدّة كتب للمفكّر بول ريكور سبق أن أصدرتها، مثل "الزمان والسرد" و"الاستعارة الحيّة" و"صراع التأويلات" (ترجمات جورج زيناتي ومنذر عياشي وآخرين).

وفي طبعاتهما المشتركة، اشتغلت "دار الروافد الثقافية" و"منشورات ابن النديم" على نقل جزء من الكتابات الفكرية حول الحضارة الإسلامية وتراثها، وفي هذا الإطار صدرت عناوينُ منها: "الغزالي وفلسفته الكلامية" لـ فرانك غريفل بترجمة مريم محمد أمين شحاتة، و"عالم في الظلّ: مقالات في الفكر الفقهي والعقدي لابن تيمية" لـ كاترينا بوري وليفنات هولتزمان بترجمة عمرو بسيوني الذي شارك أيضاً في تعريب كتاب "العلم والتعليم: تدريس العلوم في المجتمعات الإسلامية" لـ سونيا برينتيس مع رضا زيدان.

كما يمكن الإشارة إلى مواظبة دور نشر مثل "آفاق" و"شهريار" على تخصيص عدد من منشوراتهما للأعمال الفكرية المترجمة، كما ظهرت هذا العام مساهمة جديدة لـ "دار المأمون" و"منشورات معنى"، لعلّها تسدّ النقص الذي تركه تراجع مؤسّسات كان لها نصيب في نقل الفكر العالمي إلى العربية، مثل "المنظمة العربية للترجمة" و"مؤمنون بلا حدود" و"مشروع نقل المعارف".

ربما يعزّينا أن نقف على حصيلة كلّ عام، فهي تشير إلى جهد مبذول مِن قِبَل المترجمين لإبلاغ بعض ما وصله العالم من منتجات فكرية، ولكنْ، هل هذا الجهد مقدّر بالشكل الكافي، وهل يوجد تقدير أفضل من ملامسة أثر هذه الجهود على البحث العلمي ومجمل الثقافة العربية؟ لا يبعث الواقع على الارتياح، وإنّ أحد أكثر الأسئلة إحراجاً في ثقافتنا: تُرى لِمَن يُترجِم المترجمون؟

آداب وفنون
التحديثات الحية
المساهمون