استمع إلى الملخص
- بعد انفجار مرفأ بيروت 2020، تعاونت الجمعية مع المديرية العامة للآثار لترميم البيوت التراثية ومع "جمعية تيرو للفنون" لإحياء "سينما كوليزيه".
- أطلقت الجمعية نشرة شهرية إلكترونية تستهدف الشباب، المغتربين، وكبار السن، وتخطط لإنشاء مكتبة عامة وجمع المزيد من الوثائق.
في عام 2016، نظّمت مجموعة من الباحثين والناشطين الاجتماعيّين اللبنانيّين لقاءات خصّصوها للحديث عن تراث بيروت، وبالذات الجانب العمراني منه، وقد أخذت هذه اللقاءات طابعاً دورياً، وتحوّلت إلى مبادرة على يد الباحث سهيل منيمنة عبر حساب خاصّ على "فيسبوك" تحت عنوان "تراث بيروت". وعلى أثر التفاعُل الذي لاقته المبادرة من روّاد مواقع التواصل الاجتماعي طيلة ثلاث سنوات من نشاطها، توسّعت المجموعة لتضمّ مؤرّخين ومخطّطين حضريّين ومصوّرين وناشطين، من بينهم: عبد اللطيف فاخوري، وزياد دندن، ولينا عز الدين، وإنعام خالد، وماريا حلو، وعلي غلاييني، ونضال شومان، الذين شكّلوا عام 2019، إلى جانب آخرين، أوّل هيئة إدارية للجمعيّة التي ستحمل الاسم نفسه.
التقت "العربي الجديد" برئيس الهيئة الإدارية لـ"تراث بيروت"، زياد دندن، الذي لفَت إلى أنّ الدافع من وراء إنشاء الجمعيّة هو "ما مرّت به المدينة من مخاضات عسيرة بعد الكثير من الحروب والأزمات، واتّضح أنّ هُناك قصداً بتغيير معالمها، وانتماء الناس إليها. وعلى هذا الأساس، تنادى أعضاء الجمعيّة من أجل حماية المعالم التراثية المهدَّدة، حيث أُحصي في عقد التسعينيات 1060 منزلاً تراثياً في بيروت، في حين تناقص عددها حتى مئتي منزل فقط عام 2018. هذا تغيير حقيقي، والأصعب أنّ لا بدائل سياسية أو قانون يُنظّم الهوية المرئية للمدينة".
أطلقت نشرة شهرية إلكترونية حول تراث بيروت وعمرانها
ويُتابع دندن: "نُحاول توثيق ما تبقّى أو اندثر، وإن لم نتمكّن بعدُ، نظراً للإمكانات المُتاحة، من اتّخاذ مقرّ رسمي للجمعيّة. نُيسّر اللقاءات في أماكن عمومية، كما نُقيم ندوات بالتعاون مع بعض مراكز الأبحاث. على سبيل المثال حاضَر المؤرّخ عبد اللطيف فاخوري، في 'المعهد الألماني للأبحاث الشرقية'، حول بيروت أواخر القرن التاسع عشر، وكيف كانت الأمور تُدار بمواضيع ربّما لم تُحَل إلى اليوم، مثل كيفية جمع النفايات من المنازل حينها".
بعد انفجار "مرفأ بيروت" في الرابع من آب/ أغسطس 2020، تعاوَنت "تراث بيروت" مع المديرية العامّة للآثار التابعة لوزارة الثقافة، وفقاً لرئيس الجمعيّة، حيث كُلّفت بإحصاء البيوت التراثية المأهولة المتضرّرة من عصف الانفجار، في ثلاث مناطق: عين المريسة، والباشورة، وزقاق البلاط، وشمل الإحصاء تقريباً ستّين بيتاً، وتطوّع في إنجازه أربعون شخصاً، بإشراف المهندس جاد حمود، واستمر العمل لمدّة ثلاثة أسابيع على الأرض. كما تعاونت الجمعيّة مع إحدى الجهات الداعمة لترميم منزلين، الأوّل في شارع بشارة الخوري والثاني في مار مخايل، لكن للمفارقة أنّ عمليات الترميم كانت تتطلّب إذناً والكثير من الإجراءات البيروقراطية. أمّا أبرز النشاطات التي قامت بها أخيراً، فهو تعاونها مع "جمعيّة تيرو للفنون" لإعادة إحياء "سينما كوليزيه" بشارع الحمرا، والتي يعود بناؤها لخمسينيّات القرن الماضي، حيث أُغلقت إبّان الحرب الأهلية عام 1977، وكانت النيّة أن يُهدَم القصر التراثي الذي يضمّها.
بنظرة عامّة، تشهد بيروت ما تُمكن تسميتُه بـ"فورة جمعيّات" في مختلف التخصّصات، ومَرَدُّ هذا انحسار دَور الدولة المُباشر واضمحلال القطاع العام. وحول هذا التفصيل، يختم رئيس هيئة "تراث بيروت" الإدارية حديثه إلى "العربي الجديد"، موضّحاً ما يُميّز عمَل الجمعيّة: "منذ البداية، حدّدنا تخصُّصنا من دون أن نُحمّل أنفسنا خطاباً واسعاً، في ظروف صعبة يمرّ بها البلد، حيث نُركّز في عملنا على محاولة جَمْع أرشيف للأجيال القادمة حول مدينة آبائهم التي عاشوا فيها. الجمعيّة غير مُموّلة سوى من اشتراكات الأعضاء، لكنّنا نسعى لأن يكون لدينا صندوق تمويل في المستقبل بما يُنمّي نشاطنا، وتأمين مقرّ لها، وإنشاء مكتبة عامّة نجمع فيها ما لدينا من كتب ووثائق".
كذلك أطلقت "تراث بيروت" عبر موقعها الإلكتروني نشرة شهرية، صدرت منها إلى الآن ثلاثة أعداد، تُضيء من خلالها عمران العاصمة اللبنانية وتراثها. وفي هذا السياق، تحدّثت "العربي الجديد" إلى المُشرف على إعداد وتحرير النشرة، نضال شومان، الذي أشار إلى أنّ "الهَمّ من وراء هذه النشرة هو تلخيص المعلومات لجمهور تتقاطع فيه ثلاث شرائح: الشباب، والمغتربون، وكبار السنّ. هؤلاء لا يتحرّكون وفق اتجاه واحد في عالم السوشال ميديا، كما أنّ نظرتهم إلى بيروت وتراثها تختلف بين الشريحة والأُخرى؛ فالمُغتربون، الذين هُم جزء كبير من مُتابعي الجمعيّة، لا تخلو نظرتُهم من الحنين والنوستالجيا، رغم أنّنا لا نُركّز ولا نطرح عمَلنا وفقاً لهذا المنظور، خاصّة أنّ الشباب ربّما يكونون أكثر واقعية في نظرتهم إلى حاضر مدينة يعيشون فيها ويواجهون صعوبات الحياة يومياً. أمّا الفئة الأكبر عمرياً من المتابعين، فتميل إلى قراءة مادّة أسهب حول أي موضوع، ومن هُنا وسّعنا النشرة في العدد الأخير لتصبح خمس صفحات بدلاً من واحدة، وإن كان الجميع مُتأثِّراً بإيقاع مواقع التواصل الاجتماعي السريع، والذي صُمّمت النشرة لتتلاءم معه".
يُفتتح العدد الأخير من نشرة "تراث بيروت" بمُخطّط للمدينة يعود إلى عام 1915 مأخوذ من وثائق الأرشيف العثماني، وتظهر فيه أسماء بعض مناطقها وشوارعها، كما تُتابع المهندسة ماريا الحلو الجزء الثاني من مقالها "كيف يُمكن لبيروت أن تكون مدينة صحّية"، وتقرأ سميرة عزّو في كتاب زياد كاج "محمود المكاري يتذكّر: حلونجي بيروتي، قصة الكلّاج اللبناني" الصادر عن "دار نلسن"، ويكتب محمود حموي حول "من صمَّم سينما الريفولي؟"، بالإضافة إلى مقتطفات من كتابَي "البيارتة: حكايات أمثالهم ووقائع أيامهم" (2009) و"أيام بيروتية" (2023) للمؤرّخ عبد اللطيف فاخوري، ومتفرّقات خبرية حول آخر الإصدارات الحديثة والأنشطة الثقافية المُقامة في المدينة.