"تأمّلات" نوال العبد الله: ضوء يشكّل تضاريس الطبيعة

10 مايو 2023
من المعرض
+ الخط -

في سبعينيات القرن الماضي، تلقّت نوال العبد الله دروسها الأُولى في الرسم على يد الفنّان الأردني الراحل مهنّا الدرّة؛ حيث تعاملت في بداياتها مع تشكيلات الجسد الأنثوي والذكَري بجُرأة وحيوية، سواء في التكوين أو حركة الجسد أو تلوينه، بما يُتيح توليد العديد من العلاقات البصرية داخل العمل الفنّي، قبل أن تنتقل إلى التجريد لاحقاً.

في تجربتها التي تمتدّ لأكثر من أربعة عقود، تستكشف الفنانة الأردنية (1951)، التي تخرّجّت من كلّية الفنون الجميلة في "جامعة فلورنسا" الإيطالية عام 1979، الشكلَ الإنساني بوصفه جزءاً من الطبيعة، ضمن لغة تعبيرية تعتمد الإيحاء، حيث تتوارى التفاصيل الدقيقة للأجساد في لوحات وتكاد تختفي في لوحات أخرى، لكنّ أثرها يظلّ موحوداً بشكل أو بآخر.

الصورة
من المعرض
من المعرض

في "غاليري وادي فينان" بعمّان، افتتح السبت الماضي معرضٌ جديدة لنوال العبد الله بعنوان "تأمّلات"، ويتواصل حتى الخامس والعشرين من الشهر الجاري، وهو يُمثّل امتداداً لمعارضها السابقة التي تقدّم اختزالات للمشهد ذاته بتنويعات جديدة.

لا تخرج الفنّانة عن رسم تلك الخطوط ببساطة وعفوية لكنّها بأقصى درجات طاقتها، في حشدٍ لمزيج من الغموض والفوضى من خلال ضربات حادّة أو خفيفة بفرشاة خشنة عريضة، تضبطه معالجة تستند إلى تناغُم شديد بين الكتلة والخطّ واللون.

طقسٌ صوفي تبدو فيه الأمكنة والشخوص نائيةً ومستترةً عن محيطها

معادلةٌ تؤطّر لوحات العبد الله التي تشكّل معادِلاً موضوعياً لعزلتها عن الوسط الفنّي، حيث تتداعى الصور والخيالات والأطياف في رسومها التجريدية، معبّرةً عن منظور ذاتي للتصالح بين الإنسان وأثره والطبيعة، وكأنّها تصبّ جميعاً في طقس صوفي تبدو فيه الأمكنة والشخوص نائيةً ومستترةً عن محيطها.

تتراءى الفراغاتٌ والأشكال الهندسية على الورق أو الكانفاس، باستخدام الأكريليك والغواش غالباً، وتتفاوت ألوانها بين الترابي؛ الأصفر والبنّي والبرتقالي، الذي يُحيل إلى الصحراء، والأزرق والبنفسجي اللذين يُشيران إلى البحر والسماء، في اشتغال على التضادّ بين الألوان الباردة والألوان الدافئة، بما يؤكّد واقعية المشهد وروحانيته معاً.

في بعض الأعمال، ثمّة ظلالُ أشخاص أو نباتات وأشجار في مشاهد لوديان وجبال وحجارة، إلّا أنّ الضوء يظلّ العنصر الأساسي فيها، إذ يمنح توزيعُه ذلك التأثيرَ على المتلقّي في تأمّل حركة الجسد وتفاعُله وحضوره في الطبيعة، ومن هذه الحالة يأخذ المعرض عنوانه.

لا تغيب تلك المفردات عن لوحات نوال العبد الله، معبّرةً عن بحث طويل وممتدّ عن العالَم في صيغة الكائن المفرد، وعن الجسد الواحد والمتعدّد في اتساع الكون وعمقه، وهو ما تصفه بقولها: "أرسم بشكل تجريدي لتحرير روحي"، في مشاهد تبدو مألوفة أحياناً ومتخيّلة أحياناً أُخرى، لكنّها تقدّم دوماً الروح البشرية في تمرّدها وعنفوانها أو في انسحاقها وسقوطها، من خلال حوار مفتوح مع الطبيعة التي تُحتضَن في حياتها وفنائها، وهو ما يحتمل تأويلات وقراءات لا حصر لها.

المساهمون