استمع إلى الملخص
- **تنوع الأعمال الفنية**: تشمل التصوير الفوتوغرافي، الأعمال التركيبية، والفيديو، وتستكشف مواضيع الهوية والانتماء، مثل عمل سمية درزاده عن تاريخ مخيّم البلوشي وعمل الجازي النعيمي المستوحى من حركة الرمال.
- **تجارب شخصية وجماعية**: الفنّانون من قطر ودول أخرى يعبرون عن تجاربهم الشخصية والجماعية، متناولين مواضيع الهوية، الذاكرة، والانتماء، مثل عمل زينب الشيباني المستلهم من المسرح وعمل العنود الغامدي عن قبول الاختلافات.
تبدأ فكرة البيت من مألوف يبيت فيه الناس، وتتناسل منه صُور واستعارات لا نهائية، ترتبط بأفكارنا المُجرَّدة وذاكرتنا وعواطفنا، وكلُّها محكومة بثابت ومُتحرّك، أو للدقّة من ثابت تتحرّك فيه الصُّور وظلالها، أو متحرّك يعصف بالمكان ويدفع كلّ واحد وحيداً بقفصه الصدري يطلّ به على عالمه. ولا أحد منّا وهو يصفو ويُصغي إلى ذاته، يطمئنُّ إلى أنه بلَغ رؤيةً ختامية لمعنى البيت.
يحدث دائماً وسيواصل الحدوث أن يكون هُناك "بيت يطلّ على العالَم"، كما هو عنوان المعرض المُقام في "غاليري الكراج" داخل "مطافئ - مقرّ الفنّانين" بالدوحة، والمستمرّ حتى نهاية العام الجاري. عليه، حين تُواجِه سبعة عشر فنّاناً وفنّانة فأنت أمام اقتراحات حُرَّة، لكُلِّ واحد ليس فقط بيته، بل لا بُدّ أن تكون هناك زاوية خاصة في أيّ لحظة تأمُّل، حتى لو كان اثنان على ذات الشُّرفة.
والدوحة هي المكان الذي يُصادف أن اجتمعت فيه أعمالٌ لا تُلبّي المتوقَّع السهل، بل تنحو إلى مُقاربات ذهنية لهذه التحوّلات السريعة في مثال الدوحة، الذي تُمكِن رؤيته في شتّى مدن العالَم، حيث المشاريع الحضرية تستوقف الفنّانين ليُعاينوا مشاعرهم الفردية والجماعية بين هذا الاكتساح البصري العمودي في مجاورة علامات تقليدية محميّة بالحنين والتعبير عن الهوية المحلّية. وقد نتَج المعرضُ من إقامة فنّية لمدّة تسعة أشهر، لم يضطلع بها قطريّون فحسب، بل عرب وأجانب، ما يعني أنّ التشكيلة القائمة أمامنا تشترك في انشغالات وهموم ذات طابع إنساني.
مُقاربات مختلفة للتحوّلات السريعة في مثال مدنية الدوحة
وهذه رؤى تستلهم إحداها إكسسوارات ورموزاً مسرحية تتحوّل إلى بيت، وأشياء غير وظيفية تكون موجودة في بيت آخر. وتمرُّ إلى عمل عنوانه "الأعماق والأضحال" منشغل بطبقات الوعي في الفرد. هذه طبقات استعارية لمكان ذهني يتسلَّل في العمل الفنّي إلى الذات حيث لا مكان نتفحّصه، إنما عمارة أو خراب عميقان في المجاز. صُور قديمة ملتقَطة بكاميرا الأفلام، وتشكيلان في حفلة من الألوان على سيّارتين، نراهما في فيديو، ونرى واحدة منهما رابضةً خارج المعرض.
نسيجٌ معنقَد عن الغرب الأميركي، وتصوير فوتوغرافي، وعملٌ تركيبي من ذاكرة من مُخيّم بلوشي في قطر، وطباعة زجاجية للبيوت المدمَّرة بسبب الحرب، وارتحالات بين ذاكرَتين للطفولة في الدوحة ولندن.
توزَّع الفنّانون على استوديوهات ضمن الإقامة الفنّية في دورتها الثامنة، سرعان ما استقرّت الجلسات النقدية على ثيمة الهوية والموطن والانتماء، سواء عبَّرت عن تجارب شخصية أو جماعية، كما قالت لـ"العربي الجديد" سعيدة الخليفي، رئيسة قسم المعارض والبرامج في "مطافئ" وقيّمة المعرض.
والفنّانون المشاركون، هُم القطريّون: هناء فخري، وعبد الله الصلات، وشعاع الكواري، ونورة الحردان، والجازي النعيمي، وزينب الشيباني، وعائشة العبدالله، ومحمد العمادي، والخزامى الحرمي، بالإضافة إلى السعودية العنود الغامدي، والبحرينية مريم التاجر، والإيرانية سميّة درزاده، والأوكرانية أوليكساندرا أومانسكا، والأميركية شارلوت رودنبيرغ، والإيطاليين ماركو برونو وسيموني كارينا، والأيرلندية آن ماكنالي.
وبحسب المسار المحدّد للغاليري على مساحة سبعمئة قدم مربّع، يُمكن البدء من الجهة اليمُنى للمعرض، حتى تختم أضلاع المستطيل الأربعة. هذه البداية يتجاور فيها جناحان للفنّانتَين هناء فخري ونورة الحردان، وفيهما المعنى الأولي للبيت الذي على طرف اللسان. وعند هناء فخري تحت عنوان "تأمّلات ثمينة"، قِطعٌ مرسومة بالحبر للبيوت والمَعالم الحضرية في أحد أحياء الدوحة القديمة وأُخرى في بريطانيا، وطُرقٌ تؤدّي إلى البيوت في ذاكرة طفولية واحدة.
بينما تبقى نورة الحردان في جغرافيا قَطرية خارجية وهي تصوّر أحد الأحياء القديمة، ثم تدخل بعملها الموسوم بـ"ما فُقد ووُجد" إلى السردية الخفيّة للأغراض اليومية المتروكة، مستعملة الفيديو والضوء الساقط على بطّانية، كلّ ما فعلته أنها أعادت اكتشاف العادي المتمثّل ببطّانية لا تُخطئها العين، صينية المنشأ غالباً وعلى الأَسرَّة العربية منذ قيام الدول الحديثة.
إنّ الصور هي نحن والآخرون المختلفون في الشكل واللون
أمّا سمية درزاده فقد بنَت عملَها التجهيزي من مكان لم يعُد موجوداً، تحت عنوان "الفرد في الجماعة" وفيه خشب رقائقي وآخر للبناء وصفائد معدنية وأكريليك وإضاءة مع مقطع فيديو، وكلّها بقايا ومقتنيات تستعيد تاريخ سكّان مخيّم البلوشي في قطر والآثار التي بقيت خلفهم بعد هَدْم الموقع.
والفنّانة نفسها واحدة من هؤلاء السكّان الذين انتقلوا إلى حياة جديدة، أي إنهم غادروا معالم الذاكرة المُشتركة، وقد صمّمت درزاده ستّ خزائن، الثلاث الأُولى لعرض بدايات مخيّم البلوشي، والأُخرى المتبقّية والقطعة الضوئية للتعبير عن نهاية المخيّم.
وفي أكبر عمَل لها استغرق عاماً كاملاً لجأت الفنّانة الجازي النعيمي إلى الفلّين والحديد والبلاستر، مستوحية حركة الرمال في الساعة الرملية، في شكل أفقي لتعطي دلالة على علاقة الزمن بالإنسان.
وإلى أعمال شارلوت رودنبيرغ المعلّقة على الجدار، تدفع النظرة الأُولى مقارنة صورة للتاريخ حديثاً في اللحظة التي تتقاطع فيها مع صورة أُخرى سابقة ومتكرّرة مع الأسف.
والأسف نابع من هذه السجَّادات المنتمية إلى صنف يسمّى "السجّاد المُعنقَد" تظهر فيها بورتريهات سكّان البلاد الأصليّين في الغرب الأميركي. تُعطي الأعمال صورة عن الكفاح المتواصل لتحقيق البقاء الثقافي والسيادة مُركّزة على سرديّات الظلم والمقاومة الاستعمارية.
وفي العمل المشترك للفنّان عبد الله الصلات وأليكساندرا أومانسكا أطلال خيالية وطباعة رقمية وطوب. كلّها متجاورة ومتداخلة تُصوّر المباني التي دُمّرت بفعل الحرب. ففي قلب هذه الأطلال تكمُن أصداء من حياة الماضي، بذكريات خفيفة سرعان ما ستتلاشى حين يغيب عنها قاطنوها. ويمنح الفنّانان من خلال هذا العمل صوتاً لمن شهد التاريخ صامتاً، محافظَين بذلك على روايات أولئك الذين طحنتهم أنقاض الحرب.
وتستكشف آن ماك نالي في عملها "بقايا مُغطّاة" الجمال العابر للزهور مُصوِّرة مختلف مراحل الاضمحلال التي تمرّ بها الزهرة، وذلك بوضعها لطبقات من المطبوعات والرسومات وتقنيات الوسائط المختلفة على القماش، إلى جانب الدانتيل الرقيق والبلاستيك المعدّل، لتُحاكي بالخطوط المعقّدة والومضات اللونية مدى إغفالنا للتفاصيل الصغيرة في الحياة.
وزينب الشيباني تنطلق في عملها "عيش بلا جسد في عالَم مليء بالأجساد" من الأضواء والأزياء والديكور المدروس بعناية، من تلك الفترة التي قضتها على خشبة المسرح، لكونها انضمّت إلى نادي المسرح المدرسي منذ صغرها. وهُنا تفحص الفنّانة التناقض بين المسرحيّة وبقاياها من خلال اهتمامها المستمرّ بالأساطير العربية والحكايات النابعة من منطقة الخليج.
المنحى المفاهيمي وهو يلاحق الفكرة ويُعبّر عنها، يجعل من بورتريهات فوتوغرافية بجانب بعضها موقفاً حقوقياً إنسانياً، بمجرّد أن تذهب العنود الغامدي في طباعة رقمية على ورق في عملها "كما نحن"، للقول إنّ الصور هي نحن والآخرون المختلفون في الشكل واللون، وما بينهما من جسر هو الإيمان بقبول هذه الاختلافات.