شكّلت سيرة الظاهر بيبرس مصدراً مُهمّاً من مصادر التراث الشعبي، فمنذ بواكير الحقبة المملوكية بدأت مدوّناتُها تُتناسَخ، وتخضع لإضافات وتعديلات تُمثِّل نماذج عن الثقافة الشفوية بمفرداتها العامّية، والتي لا تنطبق عليها بالضرورة منهجيّات صناعة الكتاب الرسمي، أو قواعد الكتابة واللغة الفصيحة.
ضمن هذا السياق، يُنظّم "المعهد الفرنسي للشرق الأدنى" (إفبو) في بيروت، برنامجاً، أو "بَرمَجاناً" (وهو، كما يذكّر المنظّمون، نحْتٌ من كلمتَي: برمجَة ومهرجان، كمقابل عربي للتركيب الإنكليزي Hackathon) لرَقْن مُحتوى مخطوطات "سيرة الملك الظاهر بيبرص" حسب الرواية الشاميّة بصورة آلية. وذلك عبر أربعة أيام من التدريب بين 26 و29 أيلول/ سبتمبر المقبل، حيث يتعرّف المشاركون خلالها على إشكاليّات متعلّقة بالمخطوطات العربيّة، وبمخطوطات الأدب الشعبي خاصة وبالإنسانيّات الرقميّة.
ويتكوّن فريق "برمجان بيبرص" (بالصاد وليس بالسين، كما ورد رسمُه في المخطوطات)، من 12 راقناً وراقنةً، سيُختارون من طلّاب الماجستير والدكتوراه في لبنان، من المختصّين باللغة العربية وآدابها، وبالتاريخ وبتحقيق المخطوطات، وتنضمّ إليهم مجموعة من طلّاب الدراسات العليا في فرنسا، من أعضاء مشروع "آداب المشرق الشعبيّة".
ينقسم البرمجان، الذي يُشرف عليه كلٌّ من: المُهندستين تاوس بابور، وكلير تشالون - غريغوار، والباحث إياس حسن، إلى أربعة محاور، هي: "اكتشاف تقنيات التعرُّف على الخطّ المكتوب يدويّاً وتدريب أوّلي على استخدام البرنامج التقني المُخصّص"، و"مدخل إلى عِلم المخطوطات"، و"مدخل إلى 'العربية الوسطى'" (عامّية زمن كتابة المخطوط)، و"مدخل إلى الآداب الشعبيّة ومصادرها المكتوبة، وإلى السيرة الشعبية كنوع أدبي، وإلى سيرة الملك الظاهر".
ويهدف المنظِّمون إلى تطوير نموذج رقميّ للتعرُّف على الخطّ المكتوب يدويّاً، يُستخدم لنسخ كامل مخطوطات السيرة بصورة آليّة، وذلك انطلاقاً من عيّنة تُنسخ وتدقَّق يدويّاً، على أن يُكلَّف أعضاء الفريق، بعد نهاية أيّام التدريب، بنسخ مجموعة من الصفحات بشكل مستقلّ خلال الأسابيع التالية، وإدراجها في برنامج التعرّف الآلي.
يُشار إلى أنّ مخطوطات السيرة تتكوّن من مجموعة دفاتر حكواتيّين دمشقيّين مكتوبة بلُغة عربيّة وسطى، ويبلغ عددُها 542 دفتراً، تُشكّل حوالي 6000 صفحة مخطوطة. وقد نُسخ حوالي ثُلث هذه الدفاتر يدويّاً أثناء عمليّات تحقيق السيرة، وصدرت بطبعة عِلميّة عن "منشورات الإفبو" بين عامَي 2000 و2022.
ووفقاً للمُنظِّمين، يندرج "برمجان بيبرص" ضمن مجموعة من الفعاليّات العِلميّة الهادفة إلى تحسين موقع اللغة العربية بمختلف مقاماتها في الفضاء الافتراضي. كما أنّ هذه الفعالية ترتبط بأُخرى مُشابهة، هي "برمجان الإسكندر"، أنجزها طلاب من ثلاث جامعات فرنسية، بين تشرين الثاني/ نوفمبر 2022، وأيار/ مايو 2023.