"انطباعات محلّية" لهيبت بلعة بوّاب: انشغالٌ قديم بالكولاج

20 يناير 2023
(من المعرض)
+ الخط -

يعيش مشهد التشكيل اللبناني توجّهاً متزايداً صوب الاعتناء بالطبيعة وتفصيلاتها، بوصفها حالة بديهية لبلد ثريّ بأشجاره وغاباته التي لطالما تمّ التغنّي بها. وبالفعل، بدأت تتسلّق مفردات مثل أغصان وأشجار وزهور على عناوين المعارض المقامة مؤخّراً، لتضع إطاراً عامّاً تدور في فلكه اشتغالات تشكيلية مختلفة.

على العكس من هذا، فإنّ التشكيلية اللبنانية هيبت بلعة بوّاب (1952)، اختارت توجّهاً مختلفاً في معرضها الذي يحمل عنوان "انطباعات محلّية"، ويستضيفه "غاليري آرت أون 56" ببيروت حتى الرابع من شباط/ فبراير المُقبل.

تحضرُ في أعمال بلعة الأجساد والوجوه - وإن كانت هذه الأخيرة مُمسوحة الملامح - لتَتدافع في ما بينها، مُشكّلةً صخباً مدينياً، وازدحاماً لا تلبثُ العينُ أن تلتقطه. وباختصار؛ هل يمكنُ الحديث عن "لوحة حشود"؟ نقرأ الجواب في ما تقع عليه الأبصار. ففي أربعٍ وثلاثين لوحة، غلب عليها "الكولاج" (30 لوحة)، سَتُحدّد معالمُ بيروتية، وسيجدُ المتلّقي نفسه مأخوذاً بالحركة، التي لا تُعَدُّ ترجمتها إلى توقيعٍ تشكيلي أمراً هيّناً، عدا ما تستوعبه من أسئلة عديدة حول التقنيات التي يُمكن للفنان أن يستعين بها، في سبيل إظهارها أمام الأعيُن.

لوحاتٌ صاخبة بالناس وبعشرات الحوارات المعقودة بينهم

يُمكنُ إرجاعُ هذه الحركة إلى عملية توليف "الكولاج" نفسه، فكما يقوم الفنان بعمليات القص والتركيب أو الترتيب (على مستوى أدّق من الأوّل)، فإنّ هذه التقنيات تنعكسُ على نتاجه، وما يُريد أن يقوله من خلاله. وبالتالي، إنّ عملية المَزج الكامنة وراء وجوه - بلا ملامح - تقود وبشكل عفوي غير مدبّر صوب الصخب. هناك، في اللوحة، عشرات الحوارات المعقودة، من باحة المدرسة إلى الشارع، ومن اجتماعات العائلة إلى الإقبال والإدبار المتواليين، سواء بالمعنى المباشر، مثل "رحيل" الذي هو عنوان إحدى اللوحات، أو بالمعنى المجازي الذي يُشير إلى بزوغ جيل جديد، كلوحة "نحو العُرس".

الصورة
عمل "نحو العرس" - القسم الثقافي
"نحو العرس" (من المعرض)

لكنْ، أليس عنوان المعرض من النوع الذي يضعنا في موضوعه مباشرةً؟ ألا تُحيل كلمة "انطباعات" إلى ابتعادٍ عن التراكيب المُعقّدة، بقدر ما تُشكّل إضافتُها إلى كلمة "محلّية" إطاراً ذا بلاغة واضحة الحدود، لا مجال فيها لاقتراح التأويلات؟

مسيرة الفنانة هي ما تُجيب عن هذا السؤال، واستغراقُها أربع سنوات في التحضير لمعرضها الأخير يضع اليد على أي المتطلّبات اشتغلت، لا من حيث الأدوات وحسب، بل المواضيع أيضاً، وهنا لا حاجة إلى التذكير بما مرّ على البلد في هذه السنوات التي يُحاول المعرض في أحد وجوهه أن يُلخّص ما جرى فيها.

منذ معرضها الأوّل في سبعينيات القرن الماضي، ارتبط اسمُ بلعة بـ"الكولاج"، ومعرضا تلوَ الآخر وجدت نفسها أكثر ضمن هذه التقنية، التي وضعت فيها مؤلّفات ودرّستها عبر مسيرتها الأكاديمية. مع ذلك، فإن "انطباعات محلّية" هو المعرض الأول الذي تُفرد فيه مساحةً للأعمال الزيتية.

آداب وفنون
التحديثات الحية
المساهمون