منذ موجة الاحتجاجات الأولى التي عمّت العالم العربي، وكانت شرارتها المؤسِّسة في تونس، بدأ يتصاعد السجال حول مفاهيم كالهوية ومُحدّدات الوطنية، وهو في ذروته اليوم مع الوصول إلى موجات جديدة من الانتفاضات العربية. واستجابةً لإلحاح هذه السجالات والأسئلة، صدر الكثير من الكتب التي تتفاعل معها، ويحاول مؤلّفوها الاشتباك مع هذا الراهن السياسي والاجتماعي.
عام 2014، صدر للمؤرّخ والباحث التونسي الهادي التيمومي (1949)، كتابه الموسوم بـ "كيف صار التونسيون تونسيين؟"؛ وهو عبارة عن تفكير عميق في مسألة الهوية بما هي تقاطعاتٌ بين عوامل مختلفة دينية واقتصادية وسياسية. وإذا كانت الطبعة الأولى من الكتاب تكتسب أهميتها بوصفها تفاعلاً مع موجة التغيير الأولى، فإنّ الترجمتين الإنكليزية والفرنسية الصادرتان مؤخراً، تُعيدان التأمل من جديد في أطروحة الكتاب، خاصة مع عودة البلاد إلى الإجراءات الاستبدادية.
عند الثالثة من مساء الأربعاء، الثاني والعشرين من آذار/ مارس 2023، تنتظم في "مدينة الثقافة" بتونس العاصمة، حوارية لمناقشة الكتاب؛ وذلك بمناسبة صدور ترجمتيه. يتحدّث في الندوة، إلى جانب المؤلّف، المترجِمُ الهاشمي طرابلسي، ويُديرها الباحث محمد اليوسفي.
يحاول الهادي التيمومي في عمله هذا، تقصّي ملامح الشخصية التونسية بمنهجية مختلفة منطلقاً من أسئلة الراهن، وباحثاً في عمق التاريخ عن التراكمات التي أدّت إلى اكتمال ملامحها الحاليّة، سعياً لتقديم بعض التأويلات الجديدة لعلّه يجد تفسيراً لتلك الذهنية الجماعية التي يرى البعض فيها عنصراً من العناصر المُساعِدة على تفسير سبب اندلاع الثورة التونسية، والتي رفعت شعاراً أساسياً لا علاقة له بالهوية: "خبز، حرية، كرامة وطنية".
يَعدّ العمل الجدلَ القائم حول الهوية التونسية ذا صلة بانفتاح البلاد منذ ثلاثينيات القرن التاسع عشر على مرحلة التحديث، وما استجلبته من آراء بين قائل بشرقية الروح والأصول ومناهض لكل ما هو غربي، وآخَر يرى أن تونس لها تاريخ قديم وأن الإسلام والشرق هما جزء من هويتها، وأن شخصية التونسي تراكمت من عمق تاريخي طويل جداً.
للتيمومي مؤلفات مختلفة في التاريخ وعلم الاجتماع والفكر السياسي، منها: "نقابات الأعراف التونسيين 1932 - 1955" (1992)؛ و"انتفاضات الفلاحين في تاريخ تونس المعاصر: مثال 1906"؛ و"الجدل حول الإمبريالية منذ بداياته إلى اليوم" (1994)؛ و"الغائب في تأويلات 'العمران البشري' الخلدوني"؛ وغيرها.