"المكتبة الشرقية" في بيروت.. قرنٌ ونصف على التأسيس

11 ديسمبر 2024
جانب من معرض الصور (العربي الجديد)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- احتفلت "المكتبة الشرقية" في بيروت بمرور 150 عاماً على تأسيسها، مع معرض صور فوتوغرافية للمستشرق أنطوان بوادبار، الذي وثّق بفنه فترة إقامته في لبنان وجولات في أرمينيا وتركيا.
- ضمن "مهرجان بيروت للأفلام الفنية الوثائقية"، عُرض فيلم "المكتبة الشرقية إن حكت" للمخرج بهيج حجيج، مسلطاً الضوء على تاريخ المكتبة وإرثها الثقافي وتأثيرها خلال فترات الحرب والمجاعة.
- اختُتمت الزيارة بجولة في معرض "سينما طرابلس: أركيولوجيا ذاكرة جماعية" للمخرج هادي زكّاك، موثقاً تحول دور السينما في طرابلس إلى أطلال، مما يعكس التحولات الثقافية والاجتماعية.

مئة وخمسون عاماً مرّت على إنشاء "المكتبة الشرقية" في بيروت، مناسبةٌ فتَحت المؤسّسة المعرفية (أُنشئت مع "جامعة القدّيس يوسف" في عام 1874 على يد الآباء اليسوعيّين) أبوابَها لها، حيثُ أُعيد أخيراً تأثيث البهو الواصل بين الباب الرئيسي وقاعة العرض في الطابق الأول بمجموعة صور فوتوغرافية للمستشرق والرحّالة الطيّار الفرنسي أنطوان بوادبار (1878 - 1955)، تشمل 18 عملاً (وكاميرتين ومزولة للتصوير البحري)، تعود إلى فترة إقامته في لبنان عام 1924 بالتزامن مع الأعوام الأولى لإعلان الجمهورية قبل ذلك بأربع سنوات، فضلاً عن صور لجولاته السابقة في أرمينيا وتركيا.

يأخذ المعرض طابعاً مُتحفيّاً يجمع بين المؤقّت والدائم، حيث يعتمد نظام المداورة بما يسمح بعرض مجموعات من مكتبة الصور في "المكتبة الشرقية" تباعاً، وتأتي الانطلاقة بمجموعة بوادبار التي تضمّ كاملةً قرابة 20 ألف صورة، تطوف في جغرافية مشرقية ممتدّة من منطقة الجزيرة السورية وصولاً إلى سواحل مدينة صور، لكن تبقى صورته الأبرز تلك التي تفتتح المعرض وتظهر فيها "المطبعة الكاثوليكية" في بيروت عام 1931.

شاهِدة على التاريخ السياسي والاجتماعي للبنان 

وفي سياق الاحتفالية ذاتها، وضمن فعاليات "مهرجان بيروت للأفلام الفنّية الوثائقية" (BِِِAFF) الذي تحتضنه المكتبة، قُدّم مساء الخميس الماضي عرضٌ أوّل لشريط وثائقي بعنوان "المكتبة الشرقية إن حكت" (41 دقيقة) للمخرج بهيج حجيج (1948)، وفيه إضاءة على تاريخ المؤسّسة منذ إنشائها على يد الأب السويسري ألكسندر بوركونو اليسوعي، قبل التعريج على الشخصية الفارقة في زمن النهضة العربية والتي ارتبطت المكتبة تاريخياً بها، ونقصد الأب لويس شيخو (1859 - 1927)، الذي وسّع آفاق المكتبة، سواء بنشاطه في وضع التصنيفات الأدبية وخاصّة الشعر العربي، أو تأسيسه "مجلّة المشرق" التي صدر العدد الأوّل منها عام 1898 ولا تزال تصدر إلى اليوم.

وبطبيعة الحال، تنوّعت الزوايا التي انطلق منها ضيوف الشريط، ففي حين أشار رئيس "جامعة القديس يوسف"، سليم دكّاش، إلى الإرث الذي تعنيه المكتبة بالنسبة إلى لبنان ككلّ، وإلى المحطّات الكبرى التي شهدتها خلال الحرب العظمى (1914 - 1918) وسنوات المجاعة، ولاحقاً الحرب الأهلية (1975 - 1990)؛ لوقوعها في حيّ مونو بمنطقة الأشرفية، وعلى مقربة من "الخطّ الأخضر" الذي فصل بين جزأَي العاصمة حينها، لفتت، في المقابل، الباحثة شانتال فيرداي إلى القيم المُحافِظة و"روح الكثلكة" التي ظلّت تُمثّلها "المكتبة الشرقية" في سياق منافسة مع نظيرتها "الكلّية البروتستانتية السورية" أو ما عُرف لاحقاً بـ"الجامعة الأميركية" في بيروت.

وإن كان لنا أن نُقارب بين العرض الفوتوغرافي والشريط الوثائقي، فيُمكن أن نستعين بمقولة لبوادبار نفسه خُطّت فوق مجموعة من صوره، يقول: "البحث في مجال الجغرافيا التاريخية وعلم الآثار لا يتطلّب من الطيّار الإلمام بالهواء فحسب، بل أيضاً الحسّ بالأرض والنور"، وكذا حال الزائر لهذَين العمَلين التوثيقيّين، يشعر بأنه مُحاط بدفعة قويّة من أجل تحليق عالٍ يقطع النفَس وراء التاريخ والأكاديميا الرسميَّين، وسرديات كرونولوجية تمزج الثيولوجيا بالاستشراق، وعليه يصبح بحاجة لحسّ أرضي يستعيد فيه توازنه.

من معرض هادي زكاك - القسم الثقافي
جانب من معرض هادي زكاك

وهنا، لا بدّ من اختتام زيارة "المكتبة الشرقية" بجولة في معرض "سينما طرابلس: أركيولوجيا ذاكرة جماعية" للمخرج هادي زكّاك (1974)، والذي يستكمل فيه ما بدأه بفيلمه "سيلَما" (أي سينما بالعامّية الطرابلسية)، راصداً حال أكثر من ثلاثين داراً في عاصمة الشمال تحوّلت إلى أطلال اليوم. مع زكّاك نحن أمام جوٍّ مُختلف تماماً، صورٌ تعكس صدى المكان المهجور، "أفيشات" عن أفلام "جبّارة"، إيحاءات هنا، وتصاميم على طريقة "الكيتش" هناك، ودُخَان نراجيل في مقاهٍ شعبية.

المساهمون