المسلمون والطباعة.. بين السياسة والمعرفة

29 مارس 2021
نجا المهداوي/ تونس
+ الخط -

"استخدام المسلمين للطباعة: الإشكاليات ومنهج الانتقاء" عنوان المحاضرة التي ألقاها الباحث حسين سليمان عند الحادية عشرة من صباح اليوم بتنظيم من مركز المخطوطات في مكتبة الإسكندرية، وتحدّث خلالها عن انتشار الطباعة في العالم العربي في سياقه التاريخي والمعرفي.

أشار المحاضر إلى تراجع العرب المسلمين في صناعة الورق والمخطوط بعد ازدهارهم عدّة قرون بالتزامن مع انتقال الورق إلى أوروبا من خلال احتكاكهم مع العالم الإسلامي، وحين وصل إليهم وضعوا علامات مائية خاصة في مخطوطاتهم منذ القرن الثالث عشر، حيث انتشر في معظم المدن الأوروبية وصولاً إلى اختراع الطباعة على يد الألماني يوهان غوتنبرغ، مع الإشارة إلى اختراع العرب والصينيين لآلات طباعة بسيطة في تصميمها في أوقات سابقة.

وأوضح سليمان أهمية الانتقال من عصر المخطوط إلى الحرف المطبوع خلال القرن الخامس عشر في انتشار المعرفة، منبّهاً إلى أن نظام التعليم خلال تلك الفترة كان فردياً عبر ذهاب الطلبة من تلقاء أنفسهم إلى العلماء، لتلقّي الدراسة على أيديهم في حلقات تعتمد الحفظ والسماع والنقاش، حتى يحصل الطلبة على إجازة من علمائهم تؤهلهم للتدريس، وكانوا يحصلون على إعانات مالية من قبل الدولة تساعدهم على مواصلة تعليمهم.

كما تطرّق إلى مواجهة العثمانيين بشكل مبكر من خلال حروبهم المتعدّدة في القارة الأوروبية، لكنهم بحسب وجهة نظره رفضوا استخدام آلة الطباعة لأسباب ذات صلة باعتراض المؤسسة الفقهية على طباعة الكتب الدينية، ما سيؤثر على دور الفقهاء ووظيفتهم، إلى جانب رفض النسّاخ دخول هذه الآلة لأسباب اقتصادية، بحيث تتراجع مهنتهم التي كانت تشكّل قطاعاً حيوياً.

استجابت الدولة العثمانية لموقف العلماء في استخدام آلة الطباعة التي تأخر دخولها لأسباب فقهية واقتصادية ولغوية

وتناول سليمان مسألة تعدّد اللغات في الدولة العثمانية، ما طرح تساؤلاً حول اللغة التي يفترض أن تُطبع فيها المؤلّفات، عثمانية أو تركية أو يونانية أو عربية أو غير ذلك، ما أخّر التفات السلطة فترة ليست بالقصيرة إلى الطباعة ودورها في ازدهار العلوم والمعارف، مع وجود صعوبة وتعقيد في التعامل مع الحرف العربي في وجود آلة طباعة تشتمل على الحروف التي تتغيّر كتابتها في بداية الكلمة ووسطها وآخرها.

لفت أيضاً إلى مسألة مهمة تتصل بتوجّه الأوروبيين إلى طباعة العديد من الكتب العربية عقب القرن السادس عشر، بينما كان لا يزال العرب المسلمون لا يستخدمون تقنية الطباعة، ما جعلهم بعد فترة يستشعرون مساوئ وسلبيات عدم وجودها في العالم الإسلامي، وأثّر ذلك على الموقف الرسمي للدولة العثمانية التي استجابت لطلب العلماء والنخب خلال القرن السابع عشر؛ أي بعد قرنين من اختراع الطباعة، لكن ضمن شروط كان في مقدّمتها عدم استخدام اللغة العربية في الطباعة، وعدم طباعة المؤلّفات الدينية في العقيدة والتفسير والفقه، وكذلك وجود الرقابة التي تسمح بما يُطبع وما هو ممنوع.

استمر الحال على ما هو عليه، بحسب سليمان الذي أشار إلى شخصية مهمة هي إبراهيم متفرقة (1674 – 1744)، الذي كان أسيراً هنغارياً لدى العثمانيين، حيث اشتغل في عدّة مهن بعد تحوّله إلى الإسلام بسبب اتقانه العديد من اللغات، وكانت له عدّة مؤلفات منها "وسيلة الطباعة" تضمّنت أراءه بضرورة استخدام هذه التقنية وتعميمها وباللغة العربية أيضاً، فكان أن طُبع حوالي سبعة عشر كتاباً بها في منتصف القرن الثامن عشر، حيث دخلت المطابع بعد ذلك إلى بلاد الشام، كما دخلت إلى مصر مع حملة نابليون تنفيذاً لأهداف فرنسا الاستعمارية.

 

المساهمون