"المركز العربي" في بيروت.. عن أدب الأطفال وأحواله

11 اغسطس 2023
جانب من الندوة
+ الخط -

في تعاونٍ جمع بين "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" بفرعه في بيروت، و"المنظّمة العربية للتربية والثقافة والعلوم" ("الألكسو")، عُقِدت عند الرابعة من مساء أمس الخميس، ندوةٌ بعنوان "أدب الأطفال في العالَم العربي بين الواقع والمأمول".

قدّم للندوة بدايةً، الباحث خالد زيادة، مُشيراً إلى بعض النماذج الأُولى في الأدب العربي المُخصّصة للطفل، والتي بدأت بالظهور منذ مئة عام تقريباً، ثمّ تطوّرت أكثر مثل كتابات كامل كيلاني، قبل أن يبدأ المساهمون الثلاثة في الندوة، التي أدارتها الباحثة فرح العطّار، بتقديم أوراقهم البحثية، والتي تناولت هذا الشأن من جوانب عدّة.

في ورقتها الموسومة بـ"نحو أدب مُتجدِّد لأطفال الغد"، انطلقت الباحثة اللبنانية مهى جرجور من فرضية أنّ أدب الطفل "يُؤدّي دوراً مُهمّاً في بناء شخصية أبناء الغد، ولا بدّ من استثماره من أجل حماية حقوق أبنائنا الشخصية من أيّ تهديد لصحّتهم النفسيّة العامّة، تنجم بسبب الاستخدامات الخاطئة للذكاء الاصطناعي أو غيره"، كما نوّهت إلى عدم اعتبار هذا النوع الأدبي ماضوياً، يقتصر على رواية أحداثٍ غبرت فقط.

يغيب الطفل عن عمليّتي الكتابة والإنتاج وينحصر دوره كمتلقٍّ فقط

ومن النقاط التي تضمّنتها الورقة، الإشارة إلى غياب الطفل عن عملية إنتاج أدبه، فهو حاضر كمتلقٍّ فقط، في حين يتولّى الراشدون عمليات الكتابة والإنتاج، وأحياناً القراءة والتفسير. وهذا على علاقة بمسألة تاليةٍ على التلقّي، ألا وهي التفاعُل، إذ لا يُمكن أن نكتب عن موضوعات خارج اهتمامات الأطفال، ثمّ نُطالبهم بالتفاعُل معها. وعليه، لا بدّ من تجديد في الكتابة، لعدّة أسباب، منها: التغيُّر في خصائص المُتلقّي (الطفل)، وتدنّي نسبة مبيعات هذا الأدب في العالَم العربي، ومثلُها القراءة بطبيعة الحال، ولانغماس الطفل في عالَم التكنولوجيا وألعابها. 

وهنا علينا، وفق الباحثة، أن ننظر في الواقع الحضاري لطفل اليوم، بما يُعانيه من فجوة بين توجّهات الراشد/ الكاتب والناشر، والطفل/ المُتلقّي، فضلاً عن تراجع مركزية الطباعة الورقية، على حساب تقدُّم الشاشات الإلكترونية.

وخلُصت الباحثة إلى ضرورة بناء سياسة تربوية، تقوم على المواجهة والاختيار والإدارة الحكيمة، والعمل على ضمان تأثير الإصدارات الجديدة في هذه الفئة العمرية، كما أنّ على أصحاب القرار تحديد المَلمح الحقيقي للطفل الواقعي، والذي سيكون شابّاً في المستقبل، ومن ثمّ الانتقال بالتجديد إلى مُستوى الموضوعات، والتشجيع على كتابة القِصَص التفاعُلية والنشر الرقمي، وتأمين الرعاية المادّية والبحثيّة للمُشتغلين بهذا النوع الأدبي.

دعوة إلى توفير دعم مادي لصنّاع هذا النوع الأدبي من كتّاب ودور نشر

"تحدّيات أمام النهوض بأدب الطفل" هو عنوان الورقة التي قدّمها الباحث المصري إيهاب القسطاوي، والتي أشار فيها إلى مُشكلات مُباشرة في صناعة هذا اللون الكتابي، بداية من جودة ونوعية النصوص المُقدَّمة لدُور النشر، التي يفتقر بعضُها إلى أساسيات اللغة المُختصّة، إضافة إلى استسهال الأخذ عن الموروث الشعبي، في كلّ البلدان العربية، وهنا يُصبح لزاماً أنْ نتساءَل عن صلاحية هذا الإنتاج، ودَوره في إنشاء جيلٍ مُتصالح مع نفسه.

ولفتَ الباحث إلى أنّ القصص ذات الطابع المُعاصر، تحتوي على موضوعات ليست بالضرورة مناسبةً للأطفال. ولتحييد هؤلاء المشتغلين "الدُّخلاء" على المجال، كما وصفَهم الباحث، علينا إقرار إجازة مُتخصّصة بأدب الطفل (دبلوم)، فضلاً عن الانتباه إلى ما تُنفقه البلدان العربية على فعاليات ومهرجانات في هذا الشأن، دون أن تُؤدِّي إلى أيّ قيمة فعلية، في حين يجب دعم دُور النشر أكثر، خاصّة مع غلاء أسعار الأحبار والورق والطباعة عالمياً.

واختتم الباحث اللبناني أحمد نزّال الجلسة، بمداخلته التي حملت عنوان "نشأة أدب الطفل في العالم العربي وتطوّره"، والتي ميّز فيها بين مرحلتين: الأولى هي الريادة والتأسيس، والتي تختلف بين بلدٍ عربيٍّ وآخر، والثانية هي مرحلة التأصيل التي بدأت في أواخر العقد السابع من القرن العشرين.

يعود أدب الطفل في جذوره العربية الأُولى إلى أواسط القرن التاسع عشر

وعن المرحلة الأُولى، استحضر الباحث النموذج المصري، الذي يعود إلى مُنتصف القرن التاسع عشر، مع بواكير النهضة العربية، وشهد إنتاجات مثل: "تعريب الأمثال في تأديب الأطفال" الذي ترجمه عن الفرنسية عبد اللطيف أفندي، ونقّحه رفاعة الطهطاوي، وتأسيس مجلّة "روضة المدارس" الرسمية، على يد علي مبارك عام 1870، وصدور كتاب "العيون اليواقظ في الأمثال والمواعظ" لمحمد عثمان جلال، أواسط القرن التاسع عشر، وفيه 200 حكاية منظومة على ألسنة الحيوانات، بالإضافة إلى التجربة الشعرية الرائدة التي أنجزها أحمد شوقي، ثم تجربة كامل الكيلاني القصصية لاحقاً عام 1927. أمّا على المستوى اللبناني فيُمكن الإشارة إلى قصائد بطرس البستاني، وحليم دموس، وخليل مطران، وغيرهم من الجيل اللاحق، وأبرزهم روز غريّب.

بالانتقال إلى مرحلة التأصيل، نجد أن سلاسل الكتب المخصّصة للأطفال تجاوزت، منذ عام 1970، وفي مصر وحدها، 300 سلسلة، صدرت عن أكثر من 45 داراً، بمشاركة قرابة 400 مؤلّف. لكنّ الفارق، وفق الباحث، بين الماضي والرّاهن، أنّ الأوّل كانت القضية فيه مدى وجود هذا النوع الأدبي والتأسيس له، أمّا في الثاني، فهذه المسألة محسومة، ويبقى السؤال عن مدى الجودة والنوعية، والانتقال بهذه الإنتاجات والفعاليات من إطار النشاط الثقافي إلى حالة أعلى وأكثر ديمومة هي الإنماء الثقافي.

يُشار إلى أنّ نقاشاً تلى الجلسة، بمشاركة الحاضرين فيها، ومن ضمنهم كُتّاب وصحافيون وأطفال، أتَوا من مناطق لبنانية مختلفة.

آداب وفنون
التحديثات الحية
المساهمون