جان بيير فيليو في "المركز العربي" بباريس: تاريخ الشرق الأوسط من خلال الأفيون

03 ابريل 2023
جان بيير فيليو، 2011 (Getty)
+ الخط -

في الفرنسية وربما بغيرها من اللغات ذات الأصل اللاتيني، تُطلَق على الثقافة وزراعة الأرض الكلمةُ نفسها: Culture أو Cultura. تلازمٌ لغويّ لا يعكس، فحسب، التشابُه بين هاتين الظاهرتين من حيث النهوض بشيءٍ ما (النبتُ هنا والإنسان هناك)، بل يُشير أيضاً إلى الدَّور الذي لعبته الزراعة، تاريخياً، في تشكُّل الثقافة، مفهوماً وظاهرةً، وفي تشكُّل الثقافات بهذه البُقعة الجغرافية أو تلك.

عند السادسة والنصف من مساء غد الثلاثاء، يستضيف فرع "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" في باريس الأكاديمي الفرنسي المختصّ بتاريخ الشرق الأوسط، جان بيير فيليو، للحديث عن كتابه الجديد "شرقُ أوسطٍ مُذهِلٌ: تاريخ مخدّرات وسُلطة ومجتمع"، في جلسةٍ يُديرها الأكاديمي والباحث في علم الاجتماع مروان محمّد.

في عبارة "مُذهِل" الواردة بالعنوان ما يحتاج شرحاً. فالكلمة تُشير، في الفرنسية، إلى المخدّرات، التي تُسمّى أيضاً المُذهِلات (Stupéfiants)، وهو ما يجعل العنوان يُحيل مباشرةً إلى أطروحة الكتاب وموضوعه الأساسي: تاريخ المخدّرات ودورها في سياسات ومجتمعات المنطقة.

ويكشف فيليو، أستاذ تاريخ الشرق الأوسط في "مدرسة العلوم السياسية" بباريس، أن الفضائح التي تندلع بين حينٍ وآخَر، إنْ كان حول متاجرة النظام السوري بحبوب الكبتاغون (أو الفينيثايلين، وهو مادّة كيميائية منشّطة)، أو حول دور الأفيون واستخداماته في إيران وأفغانستان، له تاريخٌ طويل، وهو يسعى في عمله هذا، وفي المحاضرة التي يخصّصها له "المركز العربي"، إلى عرض هذا التاريخ وتبيان عددٍ من معطياته الأساسية، المجهولة في الأغلب من شعوب المنطقة.

يتوزّع الكتاب على اثني عشر قسماً يضمّ كلٌّ منها عدداً من الأقسام الفرعية، حيث ينطلق صاحب "الثورة العربية: عشرة دروس عن الانتفاضة الديمقراطية" (2011) من تعامُل مجتمعات المنطقة مع الأفيون وغيره من المواد المخدّرة في العصر القديم، قبل الإسلام، ليمرّ بالتغيُّرات التي طرأت على هذا التعامل خلال مختلف فترات الحُكم الإسلامي، من البدايات وحتى المماليك والعثمانيين، ويختتم بِراهن القضية اليوم، إنْ كان في لبنان أو أفغانستان أو مصر أو اليمن.

"لا شكّ أن المخدّرات كانت تحظى، خلال العصر القديم، بشعبيّة أقلّ من هذه التي تعرفها اليوم"، يكتب فيليو، الذي يذكّر بوُرود الأفيون والحشيش في نصوص مصرية كُتبت على البرديّ حوالي 1500 سنة قبل الميلاد، "لكن فقط للاستفادة من خصائصهما الطبّية"، رغم وجود دلائل تاريخية وأركيولوجية ــ قليلة، كما يقول ــ على زراعة هذا النوع من النباتات في شرق آسيا بفترة تمتدّ نحو عشرة آلاف عام قبل الميلاد.

الصورة
فيليو

ويَلحظ فيليو غياب موضوع المخدّرات في القرآن، ثمّ يتوقّف عند موقف السُّلطات والمجتمع منها خلال العقود العباسية والمملوكية والعثمانية، قبل الوصول إلى الحداثة والفترة المعاصرة، التي يضيء الكتاب، بالوثائق والأرقام، على مساحاتٍ شبه مجهولة من علاقتها بالمخدّرات، ولا سيّما في أفغانستان ــ التي يُعَدّ الأفيون أحد أبرز المصادر الاقتصادية لـ"طالبان" فيها ــ وسورية، حيث يحتلّ نظام الأسد مركز الصدارة في تصدير حبوب الكبتاغون عالمياً، إضافة إلى أنه لعب "لفترة طويلة دوراً محورياً في شبكات الهيروين حول العالَم، انطلاقاً من منشآت لبنانية كانت تحت سُلطته".

أمّا في إيران، فبعكس الأفكار الشائعة عن مجتمع تحكمه سُلطة دينية، يُخبرنا المؤلّف أن المجتمع يضمّ أكثر من 6 ملايين من الأشخاص الذين يستهلكون أنواعاً مختلفة من المخدّرات، وهو "تقليدٌ" يُشير إلى وجوده في البلد منذ نحو خمسة قرون، حاله في هذا حالُ مصر المملوكية، التي شاع فيها تعاطي الحشيش، ووصل "التجديد" في استهلاكه إلى صنع أنواع من المربّى منه.

عبر تتبّعه لتاريخ هذه المخدّرات في المنطقة، يقدّم جان بيير فيليو تاريخاً "جانبياً" لها، إذا صحّ التعبير، حيث يمكن للقارئ الوقوف على أحوال المجتمع وسياسات السُّلطات الحاكمة انطلاقاً من موقفها من هذه المواد، بين محاولة لمنعها وتحريمها، وبين استخدام لها لتمويل الحُكم.

آداب وفنون
التحديثات الحية
المساهمون