بعد جهود استمرت لسنوات عدّة، أقرّت لجنة الدراسات الاجتماعية في "مجلس التربية والتعليم" بالأردن أمس الثلاثاء، استحداث مادة الفلسفة في كتاب مستقلّ يدرّس في المرحلة الثانوية، إلى جانب تدريس مناهج فلسفية متنوعة عبر جميع المواد الدراسية في المرحلة الأساسية.
القرار الجديد يدخل حيز التنفيذ في العام الدراسي 2024/2025 ضمن الإطار العام للدراسات الاجتماعية، بعد الانتهاء من وضع المناهج المخصًصة للفلسفة التي تعود بعد انقطاع دام أكثر من خمسة وأربعين عاماً، تخلّلها تدريس بعض القضايا الفلسفية والمنطق في فترات متقطعة سابقة قبل التخليّ نهائياً عن تدريسها سنة 2016.
إعادة الدرس الفلسفي شكّل مطلباً للعديد من المثقفين في الأردن على مدار عقود عدّة، في سياق انتقادهم لما سموه "هيمنة" تيّارات الإسلام السياسي على العملية التعليمية في سبعينيات القرن الماضي، والتي ألغت مادة الفلسفة آنذاك.
وفي حديث سابق لـ"العربي الجديد"، أوضح أستاذ فلسفة العلوم توفيق شومر، وعضو لجنة الدراسات الاجتماعية في وزارة التربية والتعليم، أن المناهج المنتظر تدريسها تحتوي مهارات التفكير الإبداعي والتفكير الناقد والمنطقيّ، ومسائل تمسّ حياة الطلبة من مفاهيم الأخلاق والنظريات السياسية والاجتماعية، وكذلك الاطّلاع على التراث الفلسفي العربي، وما قدّمه العديد من شخصيّاته للفكر الإنساني والفكر العربي الحديث والمعاصر، وإضاءة أهمّ المدارس الفلسفية اليوم كالوضعية والبراغماتية، ومعرفة فنّ التساؤل وكيف تُبنى الحجّة وتُقَدَّم وجهة النظر.
القرار الجديد يدخل حيز التنفيذ في العام الدراسي 2024/2025 ضمن الإطار العام للدراسات الاجتماعية
ولفت إلى أن المشروع يِشمل تضمين المفاهيم الفلسفية في منهاج الدراسات الاجتماعية المتكامل من الأول إلى الثامن، ثم تُخصّص وحدة كاملة للتفكير الناقد والإبداعي في منهاج التربية الوطنية للصف التاسع، ووحدة كاملة في منهاج الصف العاشر حول المنطق، كما يُخصّص كتاب كامل إلزامي لجميع الفروع في المدارس لمقدمة في الفلسفة للصفّ الحادي عشر، على أن تكون مادة الفلسفة اختياريّة لجميع الطلبة بجميع الفروع في مرحلة التوجيهي (السنة الأخيرة في المرحلة الثانوية).
ووسط جدل مستمر حول إعادة تدريس الفلسفة، بين طرف مؤيد لذلك وآخر لديه تحفّظات عديدة لأسباب دينية واجتماعية، شدّد شومر على عدم خلق نوع من العداء أو الصدام أو الصراع مع الموروث، بحيث تتبنّى هذه المناهج رؤية عقلانية واعية من منطق إيماني ومنطقي أيضاً، مشيراً إلى أنّه سيكون هنالك تدريب للمعلمين في ضوء مخطّط يتعامل مع المناهج بطريقة تفصيلية ويكفل عدم تكرار الأخطاء السابقة. ويلفت إلى وجود ما يزيد على سبعمئة شخص حازوا شهادة في الفلسفة من "الجامعة الأردنية" منذ سنة 2006، وسيساهمون في تدريس المادّة، بعد أن كان الاعتماد سابقاً على خرّيجي الجامعات العربية.
المناهج المنتظر تدريسها تضيء معرفة فنّ التساؤل وكيف تُبنى الحجّة وتُقَدَّم وجهة النظر
في انتظار عامين مقبلين، تحضر تساؤلات حول طبيعة المناهج الفلسفية التي ستدّرس للطالب الأردني بعد طول انقطاع، والمؤملّ لها أن تتجاوز البعد النظري والتاريخ من خلال ربط الفلسفة بالحياة الواقعية، بوصفها أداة تفكير توفّر رؤية نقدية لحلّ مشكلات المجتمع واستيعاب تحوّلاته المستمرة، وكذلك تساؤلات حول طبيعة تلقّي مناهج الفلسفة بعد عقود طويلة من التلقين واستبعاد العلوم الاجتماعية والفنون عن المدرسة.