اختار الحيّ الثقافي "كتارا"، في الدوحة، عنوان "الفنّ التشكيلي القطري" للمعرض الذي بدأ في 18 تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري ويستمرّ حتى اليوم الختامي لكأس العالم (18 كانون الأول/ ديسمبر 2022)، بمشاركة خمسة فنانين وفنّانات عبر 38 لوحة تستلهم الموروث القطري. حدثٌ مناسبٌ للتعريف بالمشهد الفني في البلاد وبموروثها خلال مناسبة عالمية كهذه، خصوصاً حين نكون أمام لوحات للفنانين حسن الملا، ووفيقة سلطان، وجميلة آل شريم، وعبد الرحمن المطاوعة، وإيمان الهيدوس.
مع ذلك، فإنّ فنّانَين وثلاث فنانات ينتمون للواقع بالقدر الذي يعبّرون عنه بلغات مختلفة، إنْ لجهة الخامات أو اختيار الحلول المباشرة أو الترميز عنها، فضلاً عن زوايا النظر لمشهد واحد، حيث تتّضح الهويات البصرية الذاتية في هوية واحدة جامعة.
يوصَف الفنان حسن الملّا في بيان المعرض بأنه "عفويّ، ينتج أعماله استجابة للحظة انفعاله، بما يجعله أقرب إلى الشعر والموسيقى". والملّا الذي تأسّس أكاديمياً في مدرسة بغداد، بقي بالفعل وفياً للاستلهام اللحظي، أي أنه يرسم لوحته مباشرة. مشروعه يتحوّل عبر ألوان زيتية أو خامات مختلطة أسرع من غيره من الفنانين.
لذلك تجد في المعرض "رؤيا طفولة" ثم رؤيا ثانية في فترة كورونا، وفي كأس العالم يستوحي لوحات أخرى. أمّا الذي لا يستغني عنه ويحملُه فنُّه في كلّ مكان، فهو ازدحام اللوحات بالتفاصيل الساكنة والمتحرّكة.
في لوحات وفيقة سلطان زخارف وحكايات وأغانٍ من مسيرتها التي يُعترف بها في قطر بوصفها أوّل قطرية احترفت الفن التشكيلي في مطلع السبعينيات. وهي، بطريقة مغايرة لعالم حسن الملّا أكثر ميلاً لتسليط اللون على التكوينات من لقطة قريبة.
فنانون يعبّرون عن الواقع نفسه بخمس لغات واختيارات مختلفة
فهذه هنا لوحات تعكس علاقة الإنسان القطري بالبحر وتقاليد الصيد التي بدأت بالاندثار بعد دخول صناعة النفط، وفي البحر والبر، تظلّ الفنانة مشغولة بالزخرفات والخط العربي منتميةً دائماً للون الأزرق البحري الذي يحيط قطر من ثلاث جهات، ويظهر في لوحاتها جوهرياً.
بذهابنا إلى جميلة آل شريم، وهي فنانة وناقدة بدأت مسيرتها في أوائل الثمانينيات، فإن سبع لوحات لها بطلها هو الجواد العربي، باستثناء واحدة للصقر الذي صوّرتْه من مسافة صفْر لترسم لوحتها المعنونة "النظرة الثاقبة". تتميّز اللوحات بسطوح خفيفة ذات ألوان فاتحة وخطوط واضحة، في تجربة جديدة ضمن مسيرتها التي شملت المنحوتات والأعمال التركيبية الفراغية.
عُرف عبد الرحمن المطاوعة بانغماسه في الفن الغرافيكي، لكنّه منذ سنوات سلك مسارات تشكيلية مختلفة. وفي هذا المعرض له عشر لوحات بحجم كبير، ذات هوى واقعي انطباعيّ، عميقة بألوانها الغامقة، مقتنصةً على وجه الخصوص الضوءَ في أضعف حالاته عند الغروب.
بدت أعمال المطاوعة كأنها تحيل إلى مروحة ألوان زيتية لفنّانين رحّالة من القرن التاسع عشر، وهو في هذا المعرض حاضر بقوة، بعد أن اكتفى من منجزه الغرافيكي وصناعته أوّل مكبس طباعي في قطر.
وأخيراً إيمان الهيدوس، بلوحاتها الستّ التي تنوعت بين رسم الخيول في مساحات واسعة عُرفت بها سابقاً داخل بلادها وخارجها، ومن ذلك جدارية بقياس خمسة أمتار معروضة في فيينا عاصمة النمسا.
إضافة إلى ذلك هناك لوحتان للحياة اليومية؛ واحدة صوّرت فيها "العزبة"، وخصوصاً حظيرة الشياه، والثانية من السوق الشعبي بعنوان "العماني بائع الأصداف".