لا تزال الجهود المبذولة في استعادة الصلات بين الثقافة العربية وجوارها محدودةً في العصر الحديث، رغم أنَّ لغة الضاد تفاعلت خلال التاريخ الإسلامي مع اللغات الفارسية والتركية والأُردية التي تحتفظ بمدوّنة تراثية واسعة من المؤلّفات والتراجم ذات الصلة بدراسات الدين واللغة، ولكنَّ تطويرها اليوم يحتاج مشاريع تقوم بها دول ومؤسّسات كبرى.
توقّف المشاركون في ندوة "واقع وآفاق الترجمة بين اللغتين العربية والأُردية في باكستان"، التي نظّمها افتراضياً الثلاثاء الماضي، الفريق الإعلامي في "جائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي" بالدوحة، عند تاريخ العلاقات بين اللغتَين ومستقبلها، وتحدّث خلالها الباحثون حافظ محمد أكرم، وفضل الله، وعبد المجيد البغدادي، وعارف صديق، وحنان الفياض، وأدارها المترجم عبيد طاهر.
أشار أكرم في ورقته "جهود حركة الترجمة من العربية الي الأُردية والعكس في باكستان"، إلى أنه بعد استقلال الدولة الباكستانية عام 1947، تأسَّست "هيئة البحوث الإسلامية" التي تصدر عنها مجلّة باللغة العربية تُعنى بالدراسات الثقافية والحضارية الإسلامية، كما أُنشئت العديد من المدارس والجامعات الخاصة التي تدرّس مناهجها بالعربية والأُردية معاً، وتتضمّن مقرّرات في العقيدة والتفسير والفقه والنحو والصرف والبلاغة والنقد والأدب وتاريخه، إلى جانب دورياتها العلمية التي تنشر مقالات متخصّصة في هذه المجالات.
صدرت أول ترجمة لمعاني القرآن بالأُردية عام 1795
وأوضح بأن الترجمة تركّزت في علوم الدين واللغة بشكل أساسي منذ أزيد من ألف عام، حيث نقلت عن العربية تفاسير القرآن الكريم لابن كثير والطبري وغيرهما، وكذلك ترجمة معانيه التي صدرت أوّلُ طبعة منها عام 1795، وظلّت تصدر ترجمات متعدّدة منها حتى جاوزت الخمسين اليوم، إلى جانب مؤلّفات الفقه والحديث التي لاقت اهتماماً مماثلاً، ودواوين المتنبّي وأبي تمّام ومقامات الحريري ومعاجم اللغة؛ مثل "المنجد" و"الوسيط"، وكتب التاريخ مثل مقدّمة ابن خلدون و"فتوح البلدان" للبلاذري، وصولاً إلى عناوين تنتمي إلى العصر الحديث لكلّ من عباس محمود العقاد، وطه حسين، وجبران خليل جبران وآخرين.
وترافق ذلك، بحسب أكرم، مع إنشاء مؤسّسات تختصّ بالترجمة من العربية إلى الأُردية وبالعكس، منها "إدارة المعارف الإسلامية" و"إدارة المصنّفين" و"منهاج القرآن" و"المكتبة العلمية" و"مكتبة دار السلام" و"مكتبة المدينة"، لافتاً إلى تتامي حركة النقول مؤخَّراً من الثقافات العربية والفارسية والتركية إلى الأُردية التي تُعدّ اللغة الرسمية لباكستان، ولغةً ثانية يتحدّث بها الملايين في الهند ونيبال وبنغلادش وبلدان الخليج العربي.
"بلاغة القرآن الكريم وتحديات ترجمة المعاني القرآنية الثانية إلى اللغة الأُردية" عنوان ورقة فضل الله التي تحدّث خلالها عن الصعوبات في ترجمة معاني آيات القرآن إلى اللغات الأُخرى؛ حيث يتيسّر نقل المعاني الأصلية المتعلّقة بالشعائر من صلاة وصوم وحجّ والأحكام والحدود، بينما تستشكل المعاني الثانوية المتّصلة بتراكيب البلاغة القرآنية مثل التقديم والتأخير والحذف، فلا يمكن فهمها بالترجمة الحرفية.
أمّا عبد المجيد البغدادي، فبيّن في ورقته "إشكاليات الترجمة بين العربية والأُردية، المعاجم أنموذجاً" أنّ معظم القواميس المتخصّصة من العربية إلى الأُردية قديمة جدّاً وليس فيها إلّا القليل في ما يخصّ تعابير الحياة المعاصر، ولا تحتوي إلّا على عدد قليل من المفردات، كما أن جميعها هي نتاج عمل فرديّ، ما يسبّب قصوراً في رؤيتها وطبيعة مضامينها، مثل "القاموس الجديد" لوحيد الزمان قاسمي الذي طُبع في سيتينات القرن الماضي، ثم ظهر "المعجم" في الثمانينيات و"القاموس الأزهر" منذ سنوات عدّة، وهي تستنسخ بعضها بعضاً وتظلّ مشكلتها الأساسية أنها وُضعت من قِبل باحثين تمثّل الأُردية لغتهم الأم وتعلّموا لغة عربية تراثية.
تركّزت الترجمة بين اللغتين في علوم الدين واللغة
ونبّه إلى ضرورة وضع قاموس جديد أردو- عربي لتلافي كلّ الأخطاء التي وقع فيها السابقون، وأن يشترك في إعداده ناطقون باللغتين من كلا الطرفين، ليكون أكثر إفادة في تجسير الهوة بينهما، موضّحاً أنه بدأ شخصياً بإعداد مثل هذا القاموس بالتعاون مع أستاذة اللغة الأُردنية في "جامعة الأزهر" هند محفوظ، لكنه يواجه عوائق عديدة لاستكمال مشروع يتطلّب دعماً مؤسّسياً بالضرورة.
وتطرّق عارف صديق في ورقته "مشاكل ترجمة النصوص المتنوعة بين اللغتين العربية والأُردية: تجربة شخصية" إلى مسائل كثيرة؛ منها أنَّ الأبجدية الأُردية مكوّنة من 54 حرفاً مقابل 28 حرفاً في نظيرتها العربية، ما يعني أنَّ بعض الألفاظ في الأولى غير متوفّرة في الثانية عند الترجمة إليها، إضافةً إلى الباحثين والمترجمين الباكستانيين يتعلّمون الفصحى، ما يجعلهم يواجهون مشاكل عديدة حين يسافرون للعمل في البلدان العربية التي يتكلّم أهلها بلهجاتهم الدارجة.
وأضاف أنَّ غنى المعجم العربي بالمرادفات العديدة للمفردة الواحدة، مع فوارق دقيقة في معنى كلّ منها، يضع المترجم أمام معضلة أُخرى تتعلّق بوجود معنى واحد لها في الأُردية، كما أنَّ الأخيرة تضمّ مئات المفردات التي اقترضتها من العربية لكنها باتت تحمل معاني أُخرى، ما يسبّب التباساً في ترجمتها أيضاً.
واختتمت الندوةَ حنان الفياض في مداخلة لها بعنوان "فلسفة الجائزة أهدافها وشروطها وقيمتها المالية"، مبّينةً فيها أنَّ اللغة الأُردية أُدرجت ضمن فئات الإنجاز هذه السنة، وذلك تقديراً للأعمال التي تُرجمت من العربية إلى الأُردية والعكس.