يُعَدّ السيد أمير علي إحدى أبرز الشخصيات الفكرية والسياسية في الهند مطلع القرن الماضي، حيث كانت له مساهماته في تطوير التشريعات القانونية في البلاد، بالإضافة إلى قراءاته في التاريخ الإسلامي التي قادته إلى تبنّي فلسفة للحكم تلائم المسلمين في العصر الحديث.
مارَس المؤرخ والباحث الهندي (1849 – 1928) المحاماة ودرّس القانون، وعُين قاضياً في محكمة كلكتا العليا، ووضع العديد من المؤلّفات مثل "قانون الأحوال الشخصية للمسلمين" (1880)، و"روح الإسلام" (1891)، و"آداب الإسلام" (1893)، و"الإسلام" (1906)، و"المكانة الشرعية للمرأة في الإسلام" (1912)، وغيرها.
يرى المؤلّف أن انتخاب المسلمين الخليفة أبا بكر كان امتداداً للأعراف العربية
"مختصر تاريخ العرب والتمدن الإسلامي" عنوان النسخة العربية من كتاب علي الذي صدر في طبعة محرّرة ومدققة عن "الدار المصرية اللبنانية" بترجمة رياض رفعت، وتحرير ودراسة حسام أحمد عبد الظاهر، ضمن سلسلة "كلاسيكيات".
يضيء الكتاب على حياة العرب قبل الإسلام، وفق رؤية تأخذ بالعوامل السياسية والاقتصادية والصراع الاجتماعي، ويفعل الشيء نفسه لفهم بدايات الدعوة الإسلامية، مستعرضاً الأحداث التي قادت إلى انتصارها وكيفية تعامل النبي محمد بحكمة لتثبيت أركان الإسلام في الجزيرة، وفي خارجها أيضاً، كما تدلّ على ذلك مراسلاته الخارجية.
يضع علي عنوان "الجمهورية" للفصل الذي يدرس خلافة أبي بكر وعمر بن الخطاب، ويوضّح أن "رئاسة القبيلة ليست وراثية عند العرب، بل هي انتخابية يراعى فيها مبدأ التصويت العام، ولكلّ من أفراد القبيلة حقّ الإدلاء بصوته في انتخاب رئيسها"، لافتاً إلى أنه قد "اتبعت هذه العادة القبلية القديمة في اختيار خليفة للنبي، ذلك أن حرج الموقف آنذاك لم يسمح بأي إبطاء، ولذا انتخب أبو بكر ...".
ويرى أن استخلاف أبي بكر لعمر بن الخطاب قبل وفاته، كان برضى المسلمين ومبايعتهم لخليفته لأسباب يتصدّرها بشخصيته القيادية القوية وعدله، مؤكداً أن رحيله شكّل خسارة كبرى للإسلام والمسلمين، حيث "أمسك بدفة الحكم بيد من حديد، وقمع بشدة ذلك الميل الفطري إلى الفساد عند القبائل الرحّل وأشباه المتحضرين عندما يحتكون بالترف ومفاسد المدن ...".
بعد تحليله لبقية حكم الخلفاء الراشدين، ممثلاً بعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب، يُخصّص علي فصلاً لإلقاء نظرة على تكوين الحكومة والسياسة والإدارة والجيش والحياة الاجتماعية في صدر الإسلام، وتتوالى الفصول لتأريخ العصور الأموية والعباسية (التي يجري تفصيلها في فصول عدّة لامتدادها الزمني الطويل) والحروب الصليبية والتتار، والعرب في الأندلس وشمال أفريقيا، وفي كلّ مرحلة يضيء على جوانب اقتصادية واجتماعية مهمّة كان لها دور كبير في تحديد أمور السياسة ونتائجها.
وبحسب الناشر، فإنه "ربما يكون الوصف الدقيق لكتاب "مختصر تاريخ العرب والتمدن الإسلامي"، أنه موسوعةٌ حقيقية، مفهرسةٌ ومبوَّبة حضارياً وتاريخياً وفق منهجيةٍ بحثية علمية لا تكتفي حتى بالتراتب الزمني، بل تؤسس خريطتها على تعميق الأسئلة الفكرية للحضارة وتطوراتها وطفراتها الثقافية بين حقبة وأخرى وجغرافيا وسواها، بحيث تُمكِّن قارئها من إلمامٍ ناصعٍ وشامل بالتاريخين العربي والإسلامي من قبل الرسالة المحمدية وحتى القرن السابع عشر الميلادي".