احتّلت فنون القتال عامة مكانةً بارزة في التراث العربي، بدءاً من الشعر الذي احتوى جزءٌ منه على تفاصيل دقيقة تتعلّق بعدّة الحرب ومهارات المحارب، كما خصّص العديد من المؤرخين، أمثال ابن قتيبة الدينوري وابن خلدون، فصولاً في مؤلفاتهما حول تاريخ الحروب وأنواعها، وظهرت أيضاً كتبٌ متخصّصة، منها: "مختصر في سياسة الحروب" للهرثمي، و"السعي المحمود في ترتيب العساكر والجنود" للفاكهي.
كان جمال الدين عبد الله بن ميمون الذي ألّف "الإفادة والتبصير لكلّ رامٍ مبتدئٍ أو ماهرٍ نحرير بالسهم الطويل والقصير"، من أبرز الكتّاب في هذا المضمار، وقد صدرت نسخة من كتابه عن "مركز التوثيق الملكي الأردني الهاشمي"، بتحقيق وتقديم الباحثين بشار عواد معروف وعلي بن نايف الهاشمي.
يبيّن المحققان أنّه لم يتم الوقوف على ترجمة مفردةٍ لمؤلف الكتاب، ولا عُرف على وجه الدِّقة تاريخ رحيله، لكن المصادر التي نَقَل منها أو أشارَ إليها، تفيد أنه كان حيّاً في مَطْلع المئة الثامنة للهجرة، وأنّه أكثرَ النَّقْل من كتاب عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله الطَّبَري.
ويلفت المحققان إلى أن الكتاب "يعدّ واحداً من بين أجود كتب الفروسية والسلاح وأتقنها، وله من اسمه نصيب، فهو دليل المبتدئ وزاد الماهر فيهما المُطّلع على معارفهما، ولعلّه من أفضل المؤلفات في الرمي بالقوس التي شُغل العرب وفُتنوا بها، فكانت أهم ما يتنكّبُه الفارس، ويتكئ المحارب على سِيتها عند مخاطبة جنده، لا تفارقه إذا ما حزّبه أمرٌ، ومن ثم صارت من مفاخر العرب في مجالس الكبراء والملوك".
ويكتب المؤلّف في تقديمه "ولما كان زماننا هذا خالياً ممن يحسن الرمي عن القوس العربية أو يدريه أو يعرف شيئاً من ظواهره ومتداوله فكيف بدقائقه وغوامضه ومعانيه، دعاني ذلك إلى تأليف كتاب في الرماية عن القوس العربية، لا بالطويل فيُمل، ولا بالمختصر عريّاً عما في غيره من الحشو والهذر والألفاظ المخدجة الغامضة التي لا تُفهم عند المطالعة والنظر".
ويضيف "كنت ألفت كتاباً قبل هذا في هذا الشأن موجزاً بليغاً سميته بـ ’كفاية المقتصد البصير في الرمي عن القوس العربية بالسهم الطويل والقصير‘، لم أذكر فيه من الرمي إلا ما هو أكيد مهم، وما لا تطمح نفس المقتصد لسواه ولا تهم... فأردت الآن في هذا الكتاب إضافة النفل إلى ذلك الفرض واستيفاء هذه الصناعة بالطول والعرض".
قُسم هذا الكتاب إلى أربعةٍ وستين باباً تناول من خلالها اشتقاق الجهاد وحكمه وفضله وفضل النفقة فيه، وفي اشتقاق الرباط وفضله، وفي أجر من مات في الغزو وفي من مات ولم يغزُ ولم يُحدث نفسه به، وفي التلثُّم في الغزو. ثم ينتقل إلى الحديث عن فضل القسي العربية وأنواعها وأجزائها وطريقة استعمالها. ويُعرّج بعدها على السهام وأنواعها وأجزائها، ثم يتطرّق إلى الكنانة والكُستبانات وأنواعها، ثم يأتي إلى مُلح الرمي، ومن ثم أبواب نصب الأغراض والرمي عليها والارتياض فيها.