حين أصدر المؤرخ الفرنسي إيمانويل تود (1951) كتابه "السقوط الأخير" (1976)، الذي أعلن فيه انهيار النظام السوفييتي، حقق عمله نجاحاً كبيراً ولفت إليه الأنظار كمؤرخ ذي رؤية استشرافية أيضاً. بعد هذا الكتاب، وبالتحديد في عام 1996، نشر عمله الإشكالي الثاني "اختراع أوروبا" والذي وصف بأنه تحليل قاسٍ لأوروبا على أساس الهياكل الأسرية.
الكتاب الذي صدرت نسخته العربية بترجمة أنجزها أحمد فاضل الهلالي عن "مؤمنون بلا حدود"، يحلّل تاريخ أهم الأحداث التي مرّت على أوروبا منذ 1500 عام وحتى وقت صدوره من خلال دراسة هياكل الأسر؛ الأسرة الجذرية، الاستبدادية وغير المتكافئة؛ أسرة المجتمع، السلطوية والمساواة؛ الأسرة النووية الليبرالية والمساواة؛ أخيرًا الأسرة النووية، حيث رأى تود أن توزيع هذه الهياكل عبر القارة القديمة كان قادرًا على تكييف تأثير الأديان، وصعود الرأسمالية، والالتزام بأيديولوجيات معينة.
في حين، بحسب الكاتب، انتشرت الليبرالية في البلدان التي تهيمن عليها الأسرة النووية (الدول الأنجلو ساكسونية) ، ورسخت الشيوعية نفسها لفترة طويلة حيث هيمنت أسرة المجتمع (روسيا، أوروبا الشرقية، إلخ).
من المسلّم به طبعاً أن السياق قد تغير كثيرًا منذ أن صدر كتاب تود، لكن من الواضح أنه من دولة أوروبية إلى أخرى ، تستمر التطورات بمعدلات متغيرة مرتبطة بدقة بدرجة الفردية أو معاداة الفرد الموروثة.
كان تود قد أوضح في المقدمة أن هذا الكتاب لم يُكتب" لصالح "أو" ضد "أوروبا. بل إنه يختبر فرضية حول العلاقة بين تنوع الهياكل الأسرية وتنوع المسارات التاريخية، بهدف سبر العمق الأنثروبولوجي للأمم.
من جهة أخرى، وضع تود الكتاب أيضاً ليقدم قراءة نقدية لمعاهدة ماستريخت التي أسست للاتحاد الأوروبي والتي اعتبرها "عمل هواة يجهلون تاريخ المجتمعات وحياتها". وفيه قدّم نقده للعملة الموحدة وهو موقف تبدّل أكثر من مرة بعد هذا الكتاب بين التأييد والمعارضة.