منذ أن بدأ الكاتب الإسباني إيلوي تيزون (مدريد، 1964)، بنشر أعماله القصصية، صار كلُّ كتاب ينشره حدثاً مهماً في إسبانيا، ليس بسبب براعة عالَمه القصصي فحسب، أو بسبب اعتباره واحداً من أبزر كتّاب القصة المعاصرة، بل أيضاً لأنّه يُعدُّ من أبرز المُشرفين على ورشات الكتابة الإبداعية التي تقام في فندق "كافكا" بمدريد، حيث تعلّم عنده جيلٌ من الكتّاب الإسبان الذي يشهدون له بفضله.
بعد عشر سنوات على إصدار مجموعته القصصية الأخيرة التي حملت عنوان "تقنيات الإنارة" (2013)، ها هو الكاتب الإسباني يصدر مجموعته القصصية الرابعة "صلاة من أجل المهووسين بالحرائق"، عن دار نشر "باخيناس دي إسبوما" الإسبانية.
يتألّف الكتاب من تسع قصص يجمع فيما بينها روابط سريّة معيّنة، كما أنّها تشترك في أنّها ليست مصمّمة للقراءة الكسولة أو السهلة، بل تتطلّب جهداً من القارئ لملء علامات الحذف وتحديد المعاني الغامضة، والتي غالباً ما يتركها إيلوي عن عمد -كما جرت العادة أن يفعل- كي يُشرك القارئ في القصة، ويعطي انطباعاً مفاده أنَّ خالِقاً أدبياً همسَ له بها، وأنّه لا يعرف حتى هو كيف يفسّرها.
سرعان ما ستبرُز للقارئ القضايا الشكليّة للنصوص التي بدورها ستكشف عن بعض محتوياتها الداخلية وعن طرق التواصل الباطنية فيما بينها، كما لو أنَّ الكاتب مهندسٌ نصيُّ يحدّد المساحات والهياكل الأدبية. يبدو هذا الجهد واضحاً، على سبيل المثال، في قصة "اليعسوب أو الرعشات الكبيرة"، حيث يعقد الكاتب، عبر تقنيّة الحوار المسرحي، محادثة غريبة بين كورديليا وماغنيس؛ وهما شخصيتان غريبتان تتبادلان عبارات في غاية الغموض، يعترف الكاتب في النص نفسه بأنّه لا يعرف من أين أتت وكيف تطوّرت معه بهذا الشكل، ليحتار القارئ من أمره، ويطرح السؤال التالي: هل هذا حوار بين شخصيتين، أم أنه مونولوغ انفصاميٌّ عن القصة نفسها.
"يمكن لأيّ شخص أن يفسّر هذا الغموض بطريقته الخاصّة، والتي غالباً ما ستكون أكثر إيحاءً من طريقتي. كل ما أحاول فعله هو الاعتماد على القارئ كشريك، ولا أقدّم له نصّاً مبسطاً أبداً. أنا أستمتع بهذا النبض المتواصل بين الكاتب والقارئ"، يوضّح الكاتب الإسباني.
بين الغياب، والموت، والبحث الإبداعي، والدعاء، والنار، والأدب الذي يحرقنا تتنوّع موضوعات القصص في قالبٍ سرديٍّ يغلب عليه الاختصار والغموض؛ وهو ما دفع النقد إلى وصف المجموعة القصصية بالقصيدة الطويلة. وقد يبدو ذلك واضحاً بشكلٍ كبير في قصتي "غرافيا"؛ حيث يروي فيها الكاتب ثلاث طرق للعيش في الأدب، مستحضراً أبرز كتّاب القصص من أمثال كورتاثر وبورخس وغيرهم؛ وقصة "طوبى للعيون"؛ التي تعدُّ تعداداً للأشياء غير العادية التي رآها الراوي، كما ترى أعيننا المتعبة كل شيء أمامنا.
يُذكر أن إيلوي تيزون هو كاتبٌ وقاصٌ إسباني من مواليد مدريد 1964. من أعمال القصصية نذكر: "سرعة الحدائق" (1992)، و"ومضات" (2006).