في زاوية "إصدارات.. نظرة أولى" نقف على آخر ما تصدره أبرز دُور النشر والجامعات ومراكز الدراسات في العالم العربي وبعض اللغات الأجنبية، ضمن مجالات متعدّدة تتنوّع بين الفكر والأدب والتاريخ، ومنفتحة على جميع الأجناس، سواء الصادرة بالعربية أو المُترجمة إليها.
هي تناولٌ أوّل لإصدارات نقترحها على القارئ العربي بعيداً عن دعاية الناشرين أو توجيهات النقّاد. قراءة أُولى تمنح مفاتيح للعبور إلى النصوص.
مختارات هذا الأسبوع تتناول القضية الفلسطينية من جوانب سياسية واقتصادية، تعتمد في تحليلها منهج دراسات الاستعمار وما بعده، كما تشمل، أيضاً، أبحاثاً في التاريخ والعمران والفلسفة.
■ ■ ■
"بعد الحرب: تاريخ أوروبا منذ عام 1945"، عنوان النسخة العربية من كتاب المؤرّخ البريطاني الأميركي توني جَتْ التي صدرت عن "سلسلة ترجمان" في "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات"، بترجمة جمال صالح سعيد. يستعرض الكتاب الأزمات الاجتماعية والاقتصادية التي عاشتها القارّة الأوروبية بعد الحرب العالمية الثانية والفجوة بين تصوير السينما تلك الحقبة وبين الواقع، ثم مرحلة الازدهار في الستينيات وصولاً إلى نهاية الحرب الباردة، ويُناقش أنه صار ينبغي لمن سيصبح أوروبياً كاملاً أن يتبنّى تراث "الهولوكوست" مرجعاً معتمداً.
عن "مدى الكرمل" صدر كتاب "الصهيونيّة والاستعمار الاستيطانيّ: مقارَبات فلسطينيّة" ويشمل مجموعة دراسات حرّرها الباحثان نديم روحانا وعرين هوّاري. يُشار إلى أن هذه الدراسات نتاج ثلاث ورشات بحثية ناقشت فشل المشروع الصهيونيّ في إخضاع المقاومة الفلسطينيّة المستمرّة على جميع أشكالها، ودراسات الاستعمار الاستيطانيّ في فهم طبيعة الدولة الإسرائيليّة، وفي تطوير استراتيجيّات فلسطينيّة للتحرُّر، وإعادة إنتاج المشروع الصهيونيّ ضمن منظومة صراع الحضارات، إلى جانب مفهوم التطبيع ضمن بُنية الاستعمار الاستيطانيّ في فلسطين.
للباحثة الهندية أمريت ويلسون (1941)، صدر كتابٌ بعنوان "هندوتفا وعلاقتها بالصهيونية" عن "دَرَجا برس". العمل في أصله ورقةٌ قدّمتها ضمن ندوة نظّمتها "مؤسّسة الدراسات الفلسطينية" أواخر العام الماضي. تقرأ المُفكّرة الماركسية في الكتاب المواقف اليمينية للنخبة الحاكمة في شبه القارّة، والمُتمثّلة بحزب "بهاراتيا جاناتا"، حيث تدفع أكثر باتجاه بناء تحالفات استراتيجية مع الكيان الصهيوني بوصفه "دولة ديمقراطية"، كما تُحلّل نظام العلاقات الاقتصادية المشبوه برعاية رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي ونتنياهو.
يتطلّب فهم الواقع الفلسطيني نظرة شاملة تتناول أبعاده التاريخية والظرفية، إضافة إلى ربط أحداثه الأخيرة بتطوّر التحليلات حول القضية الفلسطينية. لا يزال الفلسطينيون، والملايين من الناس في جميع أنحاء العالم، في وضع يسيطر عليه الاستعمار والفصل العنصري، حيث يُحرَمون من ماضيهم ومستقبلهم، ويبدو أنّ حاضرهم يَحكم عليهم بالانتظار الأبدي. يحاول إتكساسو دومينغيز دي أولازابال في كتاب "فلسطين: الاحتلال والاستعمار والفصل" الصادر عن دار "كتاراتا" الإسبانية، تفسير الواقع الفلسطيني على الأرض لتجاوز النمطية الغربية السائدة.
عن "منشورات جامعة ستانفورد" صدر كتاب "استعمار فلسطين: اليسار الصهيوني وصناعة النكبة الفلسطينية" للباحثة أريج صباغ خوري. تتتبّع المُؤلّفة كيفية سيطرة ثلاث مستعمرات على الأرض وتعاملها مع الفلسطينيّين في مرج ابن عامر، استناداً إلى بحث تجريبي مكثّف في المستعمرات المحلّية والأرشيفات الوطنية، حيث تقدّم توثيقاً دقيقاً لسلوك المستوطنين خلال فترة الاستعمار البريطاني، وكيف أنّ تجريد الفلسطينيّين من ممتلكاتهم عام 1948 أتى نتيجة لعملية طويلة الأمد تمتدّ لعقود، عبر آليات اجتماعية وسياسية خلقت الهيمنة الإسرائيلية.
"القاهرة مؤرَّخة: فقرات من تاريخ وعمران المدينة عبر الزمن"، عنوان كتاب جماعي صدر عن "دار العين للنشر والتوزيع"، بتحرير الباحث والمعماري المصري نزار الصيّاد. يتألّف العمل من جُزأين، ويرصد ظواهر وأنماطاً عمرانية مختلفة من تاريخ العاصمة المصرية، كما يقرأ أثرها على التشكيلات الاجتماعية والسياسية، وكيف راحت تتفاعل مع المحيط. من الباحثين المُشاركين: طارق سويلم، ودوريس أبو سيف، وناصر ربّاط، وخالد فهمي، وأمنية عبد البر، وحسام إسماعيل، وعاطف معتمد، وهالة فودة، ورضوى زكي، وكندة سمارة، ومجيب الرحمن أبو عامر، ومحمد سلامة.
للباحث العراقي عبد الجبّار الرفاعي يصدر هذه الأيام عن "تكوين" و"الرافدين" كتاب "مفارقات وأضداد في توظيف الدين والتراث"، وفيه نظرة في إنتاجات كتّاب ومفكّرين عرب وإيرانيّين ينتمون إلى تيارات فكرية مختلفة، مثل العراقي علي الوردي، والمصريّين حسن حنفي ومحمد عمارة، والسوري جودت سعيد. أمّا على الجانب الإيراني، فيبحث في اشتغالات داريوس شايغان الذي درس فكر مواطنه حسن نصر المعروف بإنتاجاته ذات المسحة الغنوصية الغامضة، وكذلك أحمد فرديد صاحب المعجم الاصطلاحي الجديد، والذي أثّر من باب اللغة في الفكر الإيراني المعاصر.
يتناول كتاب "الغير سرٌّ لأنّه آخر" الصادر عن "دار التكوين" بترجمة عزيز توما، حوارات بين جاك دريدا وإيمانويل ليفيناس حول السرّ والحرية. فبينما يرى دريدا أنّ السرّ ليس مجرّد محتوى يمكن إبعاده أو الاحتفاظ به داخل نفسه، بل واجبٌ أخلاقي وسياسي، يرى ليفيناس أنّ السرّ الذي يخصُ حياة كلّ شخص، وهو غير مرتبط بأسوار من شأنها أن تعزل شخصاً محروماً بشدّة من داخلانية مغلقة، إنما ينبع من المسؤولية تجاه الآخرين، وهو، في تطوّره الأخلاقي، غير قابل للانقطاع، وهو ما لا يخجل منه المرء، وبالتالي فهو مبدأ التفرّد المطلق.