في زاوية "إصدارات.. نظرة أولى" نقف على آخر ما تصدره أبرز دُور النشر والجامعات ومراكز الدراسات في العالم العربي وبعض اللغات الأجنبية، ضمن مجالات متعدّدة تتنوّع بين الفكر والأدب والتاريخ، ومنفتحة على جميع الأجناس، سواء الصادرة بالعربية أو المُترجمة إليها.
هي تناولٌ أوّل لإصدارات نقترحها على القارئ العربي بعيداً عن دعاية الناشرين أو توجيهات النقّاد. قراءة أُولى تمنح مفاتيح للعبور إلى النصوص.
مختارات هذا الأسبوع تتوزّع بين السيرة والدراسات التاريخية والأبحاث الاجتماعية والفكرية، والرواية والترجمات الأدبية.
■ ■ ■
عن "مركز نهوض للدراسات والبحوث"، صدر كتاب "سؤال السيرة الفلسفية.. بحثٌ في حقيقة التفلسُف الائتمانية"، للمفكر المغربي طه عبد الرحمن. يعود الكتاب إلى أصل الفلسفة باعتبارها تلك "السيرة الحيَّة"، وليست محض فكرٍ مُجرّد، من خلال تأكيده على مفهوم الائتمانية الذي يستند إليه مشروعُه الفلسفي، حيث العالَم المادّي يستند إلى الائتمان الإلهي بمواثيق الأمانة والشهادة والرسالة، وأنّ الأركان الفلسفية تعرَّضت إلى تحريفات مُتتالية من لدن "المُتفلسفة"، زادها سوءاً تقليدُ "فلاسفة الإسلام" لهم، ممَّا حال دون قيام فلسفة إسلامية حقَّة.
تعدّ "إنيادة" فرجيل من أبرز كلاسيكيات الأدب الروماني، إضافة إلى كونها تمثيلاً درامياً لأفضل وأسوأ ما في الطبيعة البشرية. لكن كاتبها شخصية غامضة؛ نعلم أنّه ولد لعائلة ريفية، وعاش حياة خاصة وانفرادية، ورغم سوء الحالة الصحية والضعف العاطفي الذي عانى منه، فإنه عمل بلا كلل لتحقيق تأثيرات جديدة في الشعر. في كتاب "فرجيل" الصادر عن "منشورات جامعة ييل"، تستخدم الكاتبة والمترجمة الأميركية سارة رودن، أدلة من تاريخ الإمبراطورية الرومانيّة، إضافة إلى كتابات فيرجيل الخاصة، لإجراء استنتاجات دقيقة، وإعادة بناء حياة الشاعر.
عن "ميسلون للثقافة والترجمة والنشر"، صدر كتاب "عبد العزيز الخيّر: مناضل من سوريّة"، للباحث السوري عدنان الدبس (1967). ينظر الكتاب في سيرة الخيّر (1951)، السياسي الذي ترك أثراً قويّاً في المشهد المُعارِض ببلاده، رغم سنوات من الاعتقال خلال الثمانينيات والتسعينيات، ومن بعدِه التغييب القسري (الاختطاف) منذ عام 2012. العمل إضاءة خجولة، بتعبير الكاتب، إذا ما قورن بتاريخ حافل بالعمل النضالي، لشخصية رهنت حياتها وقواها للدفاع عن الإنسانية المهدورة، في وطن سوري اغتَصبت فيه الديكتاتورية حُلم مواطنيه بالحرّية والعدالة الاجتماعية.
للباحث العراقي الفرنسي في علم الاجتماع، عادل بكوان، يصدر هذه الأيام عن "هاشيت أنطوان/ نوفل"، كتابٌ بعنوان "العراق: قرنٌ من الإفلاس، من عام 1921 إلى اليوم". يتناول العمل ما يُسمّيه "إفلاس" العراق الحديث، منذ تأسيسه على يد الملك فيصل عام 1921، وصولاً إلى اليوم؛ حيث يقع فريسة للتدخُّلات الخارجية، بينما تُقوّضه داخليّاً هيمنة المؤسّسة الدينية، وانتشار الفساد، وسيطرة الأحزاب على موارد البلاد، و"مَليَشة" الدولة. يرى بكوان أنّ البلد لن يُشفى من أمراضه المزمنة إذا لم تُراجع النُّخب العراقية، وتُحلّل هذا "القرن من الإفلاس".
"رجل الحَشْد: إدغار آلان بو والمدينة"، عنوان الكتاب الذي صدر عن "منشورات جامعة برنستون"، لأستاذ الأدب سكوت بيبلز. يُؤرّخ الكتاب للأمكنة التي عاشَها الروائي والقاصّ الأميركي (1809 - 1849)، الذي اضطرّ إلى تغيير مكان إقامته بمعدل مرّة كلّ عام طوال حياته، بفعل ضغوط إعالته أسرته وبحثه عن العمل في مجلّات تصدر في مدن أميركية مختلفة. كما يكشف الكتاب بأنّ بو لم تكُن له جذور في البيوت التي عاش وعمل فيها، كما تنوّعت إقاماته بين الأرياف والضواحي البعيدة، وأحياء العمّال والمُهاجرين، ولم يتسنّ له الاستقرار في مكان واحد يوماً.
يحاول الكاتب والصحافي البحريني محمد عبد الله العلي في كتابه "أوراق من تاريخ البحرين"، الصادر عن "دار الساقي" أن يعرض لنا مجتمع بلاده في ستينيات وسبعينيات القرن العشرين، مُبيّناً الهموم الاجتماعية والسياسية التي كابدها المواطنون. ينطلق الباحث من المِهن المُزَاولة والرواتب الممنوحة والأعياد المُحتفى بها والأمراض المنتشرة والأطعمة واللغة والموسيقى، في محاولة توثيق بعض جوانب الحياة في المجتمع البحريني، كما أنه يُقدّم نماذج من رسائل وصوَر تُكشَف للمرة الأولى، تبادلها بحرينيّون بين 1967 و1975، تُظهِر تفاصيل يومية مختلفة.
صدرت عن "دار سؤال" و"استفهام للنشر والتوزيع"، النسخة العربية من كتاب "نظرية عالَم مُتعدّد الأقطاب"، للباحث الروسي ألكسندر دوغين، بترجمة: ثائر زين الدين وفريد حاتم الشحف. يُؤسّس الكتاب لمفهوم التعدُّدية القطبيّة بالاستناد إلى اللغة والمصطلحات، ونظرية العلاقات الدوليّة، حيث تترابط الحضارات فيما بينها، باعتبارها الهويّة الثقافية للمجتمعات (غالباً ما ترتبط بالدين والتقاليد). كما يُناقش مفهوم الجغرافيا السياسيّة للعالَم مُتعدّد الأقطاب، والذي يحكمُه انتماءُ دول عدّة إلى حضارة مشتركة، ما يشكّل فضاءً أكبر من الدولة.
"الأخلاق والفكر الحديث: نظرية العلاقات التي تربط بينهما" عنوان كتاب الفيلسوف الألماني رودلف أُويكِن (1846 - 1926)، الذي أنجزت ترجمته مارينا أشرف، وصدر عن "مكتبة المتنبي". الكتاب مجموعة محاضرات كان صاحب نوبل للآداب (1908)، قد ألقاها في "جامعة نيويورك" عام 1913، بقصد تقديم مفهومه المُبسَّط حول تصوّره عن الأخلاق لجمهور عام. اشتُهر الفيلسوف بدعوته إلى قيام مثالية جديدة مبنيّة على العنصر الأخلاقي، رغم انتمائه إلى المذهب المثالي، وذلك من أجل خلق موقف فكري مُعارض للمذاهب الفلسفية الأُخرى كالوضعية والطبيعية والعقلية.
للكاتب والتشكيلي العراقي صفاء سالم إسكندر (1990)، صدرت رواية "عمّتي وأنطوان تشيخوف"، عن دار "خطوط وظلال". يبني العمل أحداثَه بالاستناد إلى جُملة مشاعر من الخوف والوحدة إلى القسوة والطغيان؛ حيث الديكتاتوريّون يتصرّفون بمصائر الناس، ويقضون على أي فُسحة أمل. وضمن هذه الأجواء، يروي إسكندر -بعينَي طفلٍ شاهدٍ على الأحداث ومشارك فيها- حكاية عائلة تقع ضحية هذا الرُّعب، بسبب كتاب للأديب الروسي تشيخوف. يُذكَر أنّ للكاتب إصدارات عدة، منها مجموعتان شعريتان: "تنغيمُ سيرة الوردة"، و"أغنياتٌ لليومِ التّالي".
في السنوات العشر الماضية، صوّتت سويسرا في استفتاء للحدّ من دخول عمّال الاتحاد الأوروبي إلى أراضيها، وغادرت المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي، واكتسبت الأحزاب الشعبوية المتطرّفة قوّة في جميع أنحاء القارّة العجوز. في كتاب "الديمقراطية العاطفية"، الصادر عن "دار باخينا إندوميتا"، يُحذّر الباحث الإسباني مانويل آرياس مالدونادو، من ميول الرأي العام إلى "الأشباح القديمة" (التيارات الفاشية)، وتنامي الحركات الانعزالية التي تُغذّيها العواطف لا المواقف العقلانية، مضيئاً التحوّلات التي تمرّ بها الديمقراطيات الغربية اليوم.
ضمن سلسلة "أنا الرواية"، التي تصدر عن "دار المُحيط للنشر"، وقّع الكاتب اليمني حبيب عبد الربّ سروري (1956)، كتابَه "الرواية مدرسة الحياة". يحتوي العمل على آراء وشهادات عن فنّ الرواية، من وحي تجارب صاحب "حفيد سندباد" (2016). والذي يذهب إلى أنّ هذا الفنّ يتّسع لكلّ الحيوات المُمكنة والتجارب التخييليّة، بفضل قابليّته للاستسقاء من المعارف الفلسفية والعِلمية على حدٍّ سواء، وقدرته على دمج الأجناس الكتابية.
تابع آخر أخبار العربي الجديد عبر Google News
