عُرف المصوّر السينمائي وأستاذ التاريخ والباحث النمساوي إريك دورشميد (1930) كمراسل حربي لعدد من وسائل الإعلام، وهي تجربة منحته معرفة وخبرات إضافية استفاد منها كثيراً في مؤلّفاته المتعدّدة في مواضيعها، وكذلك في أفلامه التي أنتجها.
"عامل المناخ: كيف غيرت الطبيعة مجرى التاريخ" عنوان كتابه الذي نُشرت طبعته الأولى عام 2000، وصدرت النسخة العربية منه حديثاً عن "دار المدى" بترجمة أحمد الزبيدي، ويطرح سؤالاً أساسياً إن كانت العناصر المناخية قد تحدث فرقاً في مصير البشرية جمعها.
يعود المؤلّف إلى العديد من المعارك والحروب الذي حدّد الطقس مسارها، وتسبّب بهزيمة طرف وانتصار آخر، ومن أبرزها الشتاء الروسي القارس الذي كان العامل الأهم في اندحار جيوش نابليون وهتلر، وكيف قضى الإعصار على الأسطول المغولي، وكأن الطبيعة تظلّ مسيطرة طوال الوقت.
كما يضيء على جحافل القائد الروماني بوبليوس كوينكتيليوس فاروس التي قضت عليها العواصف في العام التاسع بعد الميلاد، ودور الرياح الموسمية في الحرب الفيتنامية عام 1965 حيث عمل مراسلاً حربياً هناك لفترة من الزمن.
وفي موضوع آخر، يتحدّث عن عوامل الطقس المفاجئة التي أدت إلى انتشار آفة تصيب محاصيل البطاطا في إيراندا، فحصلت المجاعة الشهيرة التي أودت بحياة عشرات آلاف البشر، وصولاً إلى تأثير الطقس على تسرّب الإشعاع النووي في مدينتي هيروشيما وناغازاكي بعد إلقاء القنبلة النوورية عليهما من قِبل الأميركيين عام 1945، بحيث ضاعف من تداعياتها مقارنة بمدينتي كوكورا ونيغاتا اللتين كان حالهما أقل سوءاً.
تلعب تقلبّات المناخ، بحسب الكتاب، دوراً كبيراً ليس في مسار الأحداث العسكرية فحسب، إنما في تأثيرها الكبير على المواقف والقرارات السياسية، لدرجة أنها قد تقلب موازين القوى عبر تلقّي خسارات غير متوقعّة أو الحصول على مكاسب لم يتنبأ بها أحد من قبل.
يخلص دورتشميد، إلى أن عامل المناخ سيكون هدفاً استراتيجياً في المستقبل، حيث يقول إن هناك علماء يسعون بالفعل للتأثير على أنماط الطقس، وأن هذا لم يعد فكرة لدى العلماء "المجانين"، بل هدفاً لأي دولة تمتلك تكنولوجيا متقدمة.
ويبحث أيضاً كيف غيرت الطبيعة مجرى التاريخ، مشيراً إلى أن تغيير الطقس يحتاج جهداً مثل الذي يتم بذله لتغيير المحاصيل الزراعية المعدلة وراثياً، ومع ذلك فإن العلم ترك الإنسانية في مفترق طرق أخلاقي، ما يجعل السيطرة على الطقس أحد الاحتمالات التي تمثل تحدياً جديداً للعلم.