إخفاق العالم

30 يوليو 2024
مدرّس الفيزياء الغزي هشام سليم يقف على شرفة مدرسة في جباليا، 27 يوليو 2024 (Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- مجلس الأمن يفشل في اتخاذ قرارات حازمة بشأن القضية الفلسطينية، بينما تلتزم الحكومات العربية الصمت وتدعي الدول الكبرى دعمها لحل الدولتين دون خطوات جدية.
- المجتمع الدولي لم يتخذ إجراءات فعالة ضد سياسة التطهير العرقي الإسرائيلية، مما يسمح بممارسة إبادة وحشية في غزة وتدمير البنية التحتية ومنع المساعدات الإنسانية.
- النشاط الدبلوماسي الأمريكي والأوروبي يقتصر على محاولات إقناع العالم بفعل شيء، بينما يزوّدون إسرائيل بالسلاح، مما يغذي التطرف الإسرائيلي ويشجع الاعتداءات على الفلسطينيين.

في كلّ مرّة يفشل فيها "مجلس الأمن" في اتّخاذ قرار حازم بشأن القضية الفلسطينية، يسجّل موقفاً، لا يفتأ يتكرّر، كذلك الحكومات الأوروبية، ولن نقول الحكومات العربية، لأنه لم تعُد لديها أيّة سياسة علنية تجاهها، سياساتها في الخفاء، فهُم بالانتظار، لا يتجرّأون على إعلان مواقفهم الحقيقية، وهو نوع من "الحكمة"، تبقيهم على قيد البقاء. بينما لدى غيرهم من الدول سياسة معلنة، لمجرّد الإعلان، وهي حلّ الدولتين، مع ادّعائهم عدم تخلّيهم عن عملية السلام، وأوّلهم أميركا، لكنّهم لا يشرعون فيها بشكل جدّي، وكأنه ليس هناك شعب مُحاصر يخضع لمعاملة عنصرية وقمع مستمرّين منذ نحو ثلاثة أرباع القرن، تُنهب أرضه بموجب قانون إسرائيلي جائر يتعارض مع القانون الدولي، ويسجلّ كل عام احتلال المزيد من الأراضي، ومنذ عشرة أشهر حرب إبادة على مدار الساعة.

حتى الآن، على سبيل المثال، ما الذي يفعله المجتمع الدولي إزاء سياسة التطهير العرقي؟ لم يفعل شيئاً، كلّ هذه الأفعال تُمارَس حسب سياسة مستمرّة مسكوت عنها، تنفي حقيقة وجود دولة فلسطين حتى في المستقبل البعيد لا المنظور.

هذا التعامي المتكرّر يُرسل في كلّ مرّة رسالة واضحة إلى الحكومات الإسرائيلية المُتعاقبة المتطرّفة غالباً، بأنّه ليس هناك من عقاب على جرائمها، ما سمح لها في غزّة بممارسة إبادة وحشية منقطعة النظير تحت أبصار العالَم، إذ لم تعُد تستثني شيئاً، وتعتبر جرائم حرب بامتياز، بارتفاع عدد القتلى، طاول عائلات بكاملها، لم يعُد لها أثرٌ إلّا في قيود السجلّات المدنية إن لم تحرق هي الأُخرى، وقصف دمّر الأحياء والمستشفيات والمكتبات والمدارس والآثار والجمعيّات الخيرية والبنية التحتية من كهرباء وشبكة مياه، ومنع المساعدات من غذاء وحليب أطفال وأدوية... ما يعتبر عملية إعدام كامل للوجود الفلسطيني.

التاريخ لا يفسّره سوى إخفاق العالم

مع هذا، على الرغم من النشاط الدبلوماسي الأميركي والأوروبّي، الذي كان مجرّد حراك لإقناع العالم بأنهم يفعلون شيئاً ما، بينما كانوا لا يفعلون شيئاً في انتظار أن تُنهي "إسرائيل" فعل الإبادة، بينما كانوا يزوّدونها بالسلاح ويحضّونها على القيام بالمهمّة بأسرع وقت، كي يخفّفوا من الانتقادات حول مشاركتهم في الحرب، ومحاولة دفع "إسرائيل" لانتهاز الفرصة ما دام أنها ستفلت من أي عقاب، حتى أنّ "محكمة العدل الدولية" و"محكمة الجنايات"، باتتا مهدّدتين من بطش الأميركان والإسرائيليّين، ربما كانت السابقة الأُولى في تاريخ المحاكم الدولية. هذا ما يغذّي التطرّف الإسرائيلي، ولا يردع مجانين الاستيطان عن الاعتداء على الفلسطينيّين ومُمتلكاتهم.

هذه إحدى فترات التاريخ غير العادلة بشكل واضح، التي لا تسمح باتخاذ إجراءات كفيلة بتصحيح الانتهاكات المروّعة لحقوق الإنسان، وتبريرها في ما بعد بالاعتراف بأنه كان ثمّة تقصير، أو نقص في المعلومات، لكن في المرّة القادمة، أي في المجازر القادمة، لن يتورّعوا عن القيام بالمزيد، ولا يحتاجون إلى تبرير، وإذا حاولوا استخلاص الدروس، فبلا جدوى.  

غزّة اليوم، فترة كاشفة وحرجة جدّاً، ماذا يقول التاريخ، أو ما الدرس الذي يعلّمنا إياه؟ هناك الكثير، ولا نجهله، لن يستفيد منه حسب المعتاد سوى المتطرّفين والمجرمين، في تطوير آلة القمع والقتل، توفّر لهم الحماية مصالح الدول الكبرى... وأيضاً عجز القوانين.

ليست المشكلة مع التاريخ، مهما كان مُجحفاً، إذ لا يفعل شيئاً، وحتى في حال الإدانة، يُعيد سادة العالم أخطاءهم وجرائمهم، بتعمّد العمى، لذلك التاريخ سلسلة من الإحباطات. منذ بدايات النهب الاستعماري ثم الصهيوني لفلسطين، تلاحقت الإدانات، ماذا قدّمت؟ لا شيء، القوّة هي التي تحكم. بالتالي، ماذا يكون التاريخ؟ لن يزيد عن صفحات باردة رغم ما تغصّ به من آلام، وإذا كان عاجزاً، فلأنه لا يصنع نفسه، البشر هُم الذين يصنعونه، ولا يفسّره سوى إخفاق العالم.


* روائي من سورية
 

موقف
التحديثات الحية
المساهمون