أمين رشيدي.. تاريخ الطبيعة في الفن الإيراني

21 يونيو 2021
(منمنمة إيرانية تعود إلى القرن السابع عشر)
+ الخط -

"التصاوير وجمالياتها في المخطوطات الإسلامية" عنوان اليوم الدراسي الذي نظّمه مركز المخطوطات التابع لقطاع التواصل الثقافي في "مكتبة الإسكندرية" افتراضياً عند الحادية عشرة من صباح اليوم الإثنين، وتتواصل حتى الغد، وتتضمّن أربع جلسات.

تحدّث أستاذ الآثار أمين عبد الله رشيدي في الجلسة الصباحية حول "المناظر الطبيعية في التصوير الإيراني" وعن أهمية الموضوع الذي يتناوله من زاوية التعرّف على كثير من المظاهر الحضارية والفنية والعلمية في إيران، بما تتضمّنه من رسوم للحدائق التي توضّح مدى التقدّم والتطوّر في أشكالها، ومدى اهتمام الحكّام الإيرانيين بها، وعادات وتقاليد الشعب المتعلّقة بالتنزّه والطبيعة.

ورأى أن الفنون التي شهدتها إيران خلال الحكم المغولي في القرن الثالث غشر كانت مستمدّة من التصوير الصيني بشكل أساسي، وبدت الطبيعة في الأعمال الفنية لمجرّد ملء الفراغ أو كعناصر تكميلية للموضوع التصويري، أو بمثابة خلفية للحدث المصوّر، أو كوسيلة للتعبير عن امتداد المنظر الطبيعي، لكنه خلال العهدين المظفري (1312 – 1394) والجلائري (1336 – 1432) يلاحَظُ تطوّرٌ كبير في تصوير المناظر الطبيعية، مع وجود ترابط ونسبة وتناسب بين رسوم الطبيعية وعناصر التكوين الأخرى للعمل الفني.

ساد الأسلوب الواقعي لدى الرسّامين الإيرانيين في القرن السابع عشر بتأثير من عصر النهصة في أوروبا

كما أوضح أنه خلال هذه المرحلة كان الاتجاه العام إلى الزخرفة في تصاوير المخطوطات الإيرانية، في ما عُرف بالمنمنمات، حيث رسوم الأشجار الكثيفة والكتَل الصخرية المتراصّة فوق بعضها بعضاً والملوّنة بعناية، والشجيرات والأزهار والحشائش الصغيرة المتناسقة والموزّعة بانتظام، والصخور المرتبة في تماثل على ضفتي المجرى المائي.

وانتقل رشيدي بعدها إلى العصر التيموري الذي بدأ خلاله تصوير البيئات المحلّية المختلفة في إيران. فإلى حانب العناية بالإنسان نفسه، اهتمّ المصوّر ببيئته ومحيطه، وتميّزت الرسوم الآدمية بصِغَرها على حساب الاهتمام بالطبيعة والمعمار اللذين ظهرا بأسلوبي مثالي نموذجي، واستمر الأمر على حاله خلال العصر التركماني حتى نهاية القرن الخامس عشر، حيث استُخدمت الألوان الزاهية في رسوم الأعشاب والزهور والشجيرات خاصة على السجاجيد.

وأشار إلى مزيد من الاهتمام بتفاصيل المنظر الطبيعي منذ العصر الصفوي في القرن السابع عشر وما بعده، وساد الأسلوب الواقعي في رسمها، بتأثير من عصر النهصة في أوروبا، موضحاً أن أسباب تعمّق حب الطبيعة لدى الإيرانيين تتمثّل بتأثير المذاهب الفارسية القديمة وأساطيرها حول بداية الخلق ونشأة الكون، وكذلك التصوّف في مرحلة لاحقة، حيث تأمُّل الطبيعة كجزء من سلوك الإنسان وفلسفته، إضافة إلى جمال الطبيعة نفسها في المدن التي تمّ تصويرها مثل شيراز وهرات وأصفهان وتطوّر هندسة حدائقها.

وبيّن أيضاً أساليب مختلفة تفرّد بها الفن الإيراني، مثل رسم المياه خلال العصر المغولي على شكل أنصاف دوائر للتعبير عن تماوجها وتدافعها، وكذلك التركيز على عناصر الفسقية (حوض ماء يستخدم لسقاية الزرع) والسياج والمقاعد والعروش في رسم الحدائق، كما رُسمت الجبال على هيئة أشكال مخروطية متتالية تتخلّلها رسوم الأشجار في براعة قلّ نظيرها في رسم تداخل الأبعاد داخل التصوير.

ونبّه رشيدي إلى أن شجرة السرو كانت الأكثر ظهوراً في معظم التصاوير الإيرانية، حيث حظيت باهتمام الفرس منذ أقدم العصور، وكانت مقدّسة لدى الزرداشتيين، وترمز إلى فكرة الخلود، وذلك لأنها تظلّ خضراء مورقة على مدار الفصول، وتُحيل أيضاً إلى رشاقة الشباب ونضارته في الثقافات الإيرانية المختلفة، لذلك برزت في معظم رسوم العشّاق، وكانت تُرسَم بأسلوب أقرب إلى الواقع، بشكل مخروطي له قمم مدببة، ولها جذع وجسم مستدير مرتفع متعدّد الفروع. كما رسموا شجرة الدلب، لا سيّما في التصاوير المتأخّرة من القرن الخامس عشر، ولوّنوا أوراقها بالأحمر والأصفر والبنّي والأخضر، ومقابل ذلك لم يكن هناك اهتمام بشجرة النخيل التي رُسمت على نحو أقلّ، وكانت الطيور أبرز الكائنات الحيّة التي تمتلئ بها الرسوم الإيرانية على مرّ العصور. 
 

آداب وفنون
التحديثات الحية
المساهمون