أملٌ فلسطيني طال انتظارُه

18 مارس 2024
فلسطينيون يتجهون إلى أداء صلاة الجمعة الأولى من رمضان في المسجد الأقصى، 15 مارس (Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- في السابع من أكتوبر، شهدت فلسطين تحولاً جذرياً نحو تكوين ذات اجتماعية جديدة، معتبراً ذلك إعادة إحياء للروح الفلسطينية وقوة الإرادة أمام التحديات.
- النص يُؤكد على أهمية النضال والتضحية لتحرير الأوطان، مشدداً على قدرة الشعب الفلسطيني على مواجهة التهديدات بالتمسك بالقيم والمبادئ.
- يُسلط الضوء على معاناة الشعب الفلسطيني تحت الحصار، مع التأكيد على الإرادة القوية والتمسك بالحق في الحياة كوسيلة لمواجهة الظروف القاسية.

أفق الجماعيّ


فلسطين بعد السابع من أكتوبر، تنتقل من المجتمع الفردي (المؤسّس على أن تكون حيّاً بناءً على لا شيء في الزمن المُعولم)، إلى الذات الاجتماعية التاريخية الجديدة.

إن هذا لفلسطينيٍّ قديمٍ مثلي، أملٌ طالَ ما انتظرته، بعد الفضيحة المسمّاة "أوسلو"، وها هو اليوم يتحقّق بفضل السابع العظيم، في لحظة.

لو متُّ غداً، أو اليوم، بعد كتابة هذه الفقرة، لن أكون متشائماً كما كنتُ بعد تلك الفضيحة ثانياً، والخطيئة أوّلاً.

الحمدُ لله أنّ الواحد فينا لحق روحَه في اللحظة الأخيرة، قبل أن تتغرّب عن دمها وعن موروثها الحضاري الهائل.

الحمد لله أنّ الروح صحصحت أخيراً، بعد أن صحّر لُبَّها المنفى الأوروبي.

والحمد لله، أولاً وأخيراً، لأنّ من قاموا بالمعجزات، هُم من أولادنا، وقد سُدّت في وجوههم جميع السُّبل.

تتحرّر الأوطان التي نهبها الغرب بالغالي والنفيس لا بالعمل الخيري

الحمد لله، أن لم يصحّ إلّا الصحيح: أعني العودة إلى المربّع الأوّل. فالدنيا لا تعمر إلّا بعد الخراب العميم. وليكُن ما يكون ممّا يهدّدوننا به من سيناريوهات تبدأ بالسيّئ وتنتهي بالأسوأ. شعبنا له خبرة ومراس قديمان في ذلك.

شعبوية الإبادة وعقيدة الصدمة، لا تخيفان طالب الحقّ، ولو وقف على مقبرة أنقاض: هي غزّة.

إنّ جميع الأوطان التي نهبها الغربُ، لم تتحرّر إلّا بالغالي والنفيس، وليس عن طريق العمَل الخيري.

ماذا كان ليكون مصيرنا بين براثن الـ"إن جي أوز" إلّا مزيداً من الانبطاح والتوسّل وانعدام القيمة؟ إلّا أنّ كلّ شيء هو عائق، وبئر النسيان مفتوح لجميع الفلسطينيّين؟

هل كنّا مرئيين للغرب، حكومات وشعوباً، قبل السبت الأعظم؟

لتخمين جزء من الإجابة، علينا أن ننظر في المرآة، نصف برهة.


■■■


الطعام كبداهة


عدوُّنا وجارنا جعلا الأكل بِدعةً غير بديهية، على أمل الضغط على كلّ من الشعب والمقاومة معاً. مع أن الأكل لجميع الكائنات الحيّة هو بدعة بديهية جدّاً. فقط الكائنات الميتة تتوقّف عن تناول الطعام، مرّة واحدة وللأبد.

واضحٌ، والله، أنّ غير بلد من كيانات الجوار (بمن فيهم أولئك الذين يراقبون الفرصة على الشقّ الثاني من بقايا البلاد)، ينتظر الفكاك من المقاومة، كي يرتّبوا أحوالهم ومصالحهم، أمّا تراثنا الإنساني حول إغاثة الملهوف، فلا يأتيه إلّا بشرٌ خالصون لإنسانيّتهم، وهذا أمرٌ غير موجود في المنطقة المحيطة.

حتى صدق القائل: وسوى الروم أمام وجهك رومٌ بلسان عربي، وفي ظهرك، رومٌ بسلاح غربي كذلك.

يجب إنقاذ الموروث الشرقي الأصيل من التقدّم الإبراهيمي الزائف. كي لا تتلخبط مُحادثات النمو فتنقلب انهياراً.

عشرةُ أيام دخلت فيها تسع شاحنات معونة فقط. ماذا يعني هذا غير أنّ المطلوب هو قَتْلُ الناس جوعاً، بعد أن تمّ إسكاتهم وتجاهلهم، وكأنّهم ينتمون إلى أفكار رجعيّة تتعلّق بالعودة إلى الماضي وعدم فهم العالَم الحديث.

لي كثيرون أنا خالُهم في جباليا، يسألونني: هل يجوز أكلُ القطط، بعد نفاد كلّ شيء، وبعد أن لم نأكل الخبز منذ أربعين يوماً؟ فأقول لهم: طبعاً. أليس هذا بأفضل من أن تأكلَكم القطط؟

لا، تغدّوا بها قبل أن تتعشّى بكم. واطلبوا منها أن تغفر لكُم، في أحكام الضرورة!


* شاعر فلسطيني مقيم في بلجيكا

موقف
التحديثات الحية
المساهمون