آني إرنو في خطاب تسلّمها "نوبل للأدب": أردتُ أن أقطع مع "الكتابة الجميلة"

08 ديسمبر 2022
آني إرنو بُعيد قراءة لها في الأكاديمية السويدية باستوكهولم، أمس الأربعاء (Getty)
+ الخط -

"من أين أبدأ؟ لقد طرحتُ هذا السؤال على نفسي عشرات المرّات أمام الصفحة البيضاء. كما لو أنه كان عليّ العثور على تلك الجملة، الجملة الوحيدة القادرة على إدخالي في عملية تأليف كتاب، والقادرة على محو كلّ الشكوك".

بهذه الكلمات تفتتح الروائية الفرنسية الحائزة على جائزة "نوبل للأدب" لهذا العام، آني إرنو (1940)، خِطابَ تسلُّمها الجائزة، الذي من المقرّر أن تُلقيه بعد غد السبت في ستوكهولم خلال حفل تكريمها في الأكاديمية السويدية.

ويكشف خطاب صاحبة "المكان" ــ الذي نشرتْه كاملاً، أمس، صحيفتا "لوموند" و"ليبيراسيون" الفرنسيّتان ــ عن العلاقة الوثيقة بين الكتابة وبين تجربتها الشخصية، هي التي تقول إنها منذ ستّين عاماً لا تزال تبحث، في كلّ مرّة، عن جملة تبدأ بها ما تريد قوله، وعن كلمات تساعدها في التعبير عن نفسها.

"كنتُ في الثانية والعشرين من العمر. وكنت طالبة للآداب في كلّيةٍ بأحد أقاليم فرنسا، بين فتيات وصبيان قادمين في الأغلب من الوسط البورجوازي المحلّي. كنت أعتقد، بتكبُّر وسذاجة، أنني إذا ألّفتُ كتباً، وصرتُ كاتبةً ــ كاتبة من نسَب فلّاحين بلا أرض، وعمّال وأصحاب تجاراتٍ متواضعة، وناس يُحتَقَرون بسبب أسلوب عيشهم، ولهجتهم، وقلّة ثقافتهم ــ فذلك سيكفي لتعويض الظلم الاجتماعي الذي يولَد معنا"، تضيف إرنو.

وعن علاقتها بالقراءة تقول: "منذ أن تعلّمت القراءة صارت الكتبُ أصحابي، والقراءةُ انشغاليَ الطبيعي خارج المدرسة. كان لأمّي الفضل بصقل هذا التوجّه عندي، هي القارئة النهمة لروايات كانت تقرأها بين زبون وآخر من زبائن محلّها، وهي التي كانت تفضّل أن تراني أقرأ بدلاً من أنْ أرقّع الثياب وأحوكها".

وتُشير حائزة "نوبل" إلى أنها عرفت فترةَ ابتعادٍ عن الكتابة في شبابها بسبب المسؤوليات الجمّة التي تُلقيها المجتمعات الذكورية على عاتق الزوجة، لا سيّما في وقتٍ كان فيه منع الحمل أو إيقافه محظوراً في فرنسا، في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، حيث كان عليها الاعتناء بطفلين، والعمل مدرّسةً، والاهتمام بالأمور العائلية، وهو ما لم يكن يترك لها الوقت للكتابة. لكنّ رحيل والدها، وانتقالها لتدريس تلاميذ ينتمون إلى طبقتها الاجتماعية المتواضعة، سيكونان عاملين حاسمين في استعادتها الرغبة بالكتابة، كما تتذكَّر.

هذه الكتابة، تقول إرنو إنه كان عليها أن تقطع مع فهْمها السابق لها، ذاك الفهم الذي كانت تدرّسه لتلاميذها، والذي ينظر إلى الكتابة بوصفها "كتابة جميلة" وفضاءً للكلمات المنمّقة والإنشاء الظريف. وسبب هذه القطيعة هو رغبة إرنو في التعبير عن "التمزّق" الذي عاشته، وهو تمزّقٌ لا تقوله الكلمات المنمّقة، بل يتطلّب الكتابة كما لو كان المرء ينتزع أحشاء من مكانها. ومع الوقت، كما تقول، تحوّلت لغتها إلى لغة غاضبة، ثائرة، كتلك "التي غالباً ما يستخدمها مَن يُذَلّون ومَن يُهانون، وكأنها الطريقة الوحيدة للردّ على ذاكرة الازدراء، وعلى العار، وعلى عار الإحساس بالعار".

كما تعرّج الكاتبة ــ المعروفة بالتزامها السياسي إلى جانب المهمّشين والقضايا العادلة ــ على أسلوبها الأدبي واستخدامها أناها الشخصية في أعمالها، وعلى الانتفاضة النسوية التي يعرفها العالم في السنوات الأخيرة ضدّ الذكورية المهيمنة، قبل أن تُنهي بالقول إن تتويجها بالجائزة ليس إنجازاً شخصياً لها، بل "انتصار جماعيّ"، انتصار لهؤلاء الذين يرغبون ويبحثون مثلها عن مزيد من الحرّية والعدالة والكرامة، على حدّ تعبيرها.

آداب وفنون
التحديثات الحية
المساهمون