في تتبّعه الأمكنة التي عاشها، ولا تزال عائلته تحتفظ بأرشيفات فوتوغرافية لإقامتها فيها، التقط التشكيلي آرثر تيموثي (1957) ذلك الخيط الذي يربط بين سيرته الذاتية ــ وهو المولود لأب من سيراليون وأم غانية ــ وبين التغيّرات الاجتماعية والسياسية التي تعيشها بلدان غربي أفريقيا بعد الاستعمار.
ألبوم العائلة الذي يحتوي مئات الصور بالأبيض والأسود، ومجموعة المؤلّفات حول الثورة التي اندلعت في بلاده خلال الخمسينيات وحقّقت استقلاله بعد عدّة سنوات، كانا الباعث لتحويل الفوتوغراف إلى لوحات زيتية تحتوي مشاهد يومية تمتّد لأكثر من خمسين عاماً.
"يدا الجدّة" هو عنوان معرض تيموثي الذي افتُتح في الثامن والعشرين من الشهر الماضي في "غاليري 1957" بلندن، ويتواصل حتى الأول من الشهر المقبل، ويضمّ أعمالاً رُسمت جميعها هذا العام وتمثّل وثيقة لتقلّبات تلك السنين وأثرها على أسرة عاشت في الوطن والمنفى.
لوحات تربط بين سيرة الفنان والتغيرات الاجتماعية والسياسية في بلده
يستمّد المعرض عنوانه من لوحة لجدّة الفنان وهي ترتدي نظّارات سوداء بعد إجراء عملية إعتام عدسة العين من أجل تقوية بصرها، في إشارة إلى تزامن ذلك مع إعادة اكتشاف تاريخٍ ظلَّ حبيس الأدراج. كما يقدّمه المنظّمون بدءاً من لوحة "الصحافي" التي يظهر فيها والد تيموثي الذي كان صديقاً لكوامي نكروما، أوّل رئيس لغانا، قبل أن يختلفا ويُفصَل من صحيفة "ديلي غرافيك"، بعد نشره مقالاً ينتقد فيه سياسات الرئيس، ما اضطرّه لمغادرة البلاد إثر صدور حكم قضائي باعتقاله.
في لوحتَي "الشاهد" و"حد فاصل"، رسّم الفنان العديد من الشخصيات السياسية الغانية، مثل وزير الخارجية كوغو بوتسيو خلال انعقاد أولى جلسات الحكومة عام 1957 بعد توقيع معاهدة الاستقلال بحضور نوّاب من البرلمان البريطاني، كما تصوّر أعمالٌ أخرى مغادرةَ الأسرة للإقامة في منزل جدته بفريتاون؛ عاصمة سيراليون.
تحضر الخالة مابيل دوف دانكوه، التي كانت كاتبة وناشطة سياسية ومنخرطة في الحركات النسوية، في لوحة وهي على عتبات سفارة بلادها في لندن، حيث شاركت في العديد من الاحتجاجات المناهضة للسلطات الديكتاتورية في غانا، بينما رسم تيموثي خالته إيفلين دوف؛ المغنية والممثّلة التي عاشت حياتها بين أكرا ولندن، وكذلك والدته إيلين، في بيت والدهما، المحامي فرانس دوف.
يشكّل المعرض قراءة جديدة لحياة عائلة توزّع أفرادها بين العمل العام والمحاماة والفن، بعد عملية بحث طويلة من أجل ربط صورهم مع السياقات السياسية التي فرضت على جميع هذه الشخصيات أن تتفرّق وتعود مجتمعة في تسع عشرة لوحة متجاوزة.
يشير تيموثي إلى الحلم الذي راود والده في بناء دولة وطنية ديمقراطية بعد زوال الاستعمار البريطاني، لكنّ الثورة التي كانت تطالب بالحرية تخلّى عنها أبناؤها عقب استلامهم الحكم، ثم وجدت النخبة الغانية نفسها أمام خيارين: إمّا المشاركة في صناعة الاستبداد، أو العيش في المنافي، كما حدث مع عائلته.