تصلح التحليلات التي جاءت بها عالمة الاجتماع المغربية فاطمة المرنيسي (1940 ــ 2015) في كتاباتها حول تهميش النساء وإقصائهنّ من المشهد السياسي العربي، على حال الفنانات العربيات بالمجمل. فكما بالسياسة، يظلّ تقديم الفنّانات العربيات في المشهد الثقافي مفارِقاً لحضورهنّ الكبير فيه، إذ غالباً ما يُنظَر إلى أعمالهنّ من باب الاستثناء أو الإطراء، وكأنّ اشتغال المرأة الفنّي ليس إلّا عملاً موازياً أو ثانوياً بالنسبة إلى اشتغال الرجل ـ الفنّان، الذي يُقَدَّم كمعيارٍ في المشهد الفني، كما في غيره من حقول النشاط الاجتماعي.
على أنّ هذه المعطيات بدأت بالتغيّر في السنوات الماضية ــ وإنْ كان هذا التغيّر نسبياً ــ بفضْل إعطاء الحركات النسوية العربية مؤخّراً بعضاً من ثمار نشاطها خلال العقود الأخيرة، وبفضل موجات النقد النسائي التي شهدها العالَم خلال الفترة القريبة المنقضية، الأمر الذي ساهم في تحرير الخطاب حولهنّ وحول دورهنّ في حقول مثل الفن، ما وضع الفاعلين وأصحاب القرار الثقافي أمام معادلات جديدة لا بدّ لهم من التعامل معها. لكنْ يبقى الأملُ ألّا تستند النظرة الجديدة إلى الاشتغال النسائي الفنّي على مقولات الإطراء و"احتواء" الأقلّية، بل على اعتراف فعليّ بهذا الفن وبقيمته.
في "المتحف الوطني للتصوير" بالرباط، افتُتح في الثامن من آذار/ مارس الجاري معرضُ "نساء فوتوغرافيات"، الذي يستمرّ حتى الثامن من حزيران/ يونيو المقبل، ضامّاً أعمالاً لمصوّرات مغربيات من مختلف الشرائح العمرية. وإن كان موعد إطلاق المعرض قد تزامن مع الاحتفال باليوم العالمي لحقوق النساء، فإن المنتظَر من حدث كهذا ألّا يكتفي برمزية هذا التاريخ، بل أن يتعدّاه إلى اقتراح نظرة موسّعة على حال المشهد الفوتوغرافي المغربي وعلى دور النساء فيه، ويمكن القول إن المعرض ينجح في أداء هذه المهمّة.
أوّل ما يدفع إلى هذا القول هو عدم اكتفاء المنظّمين بتقديم "عيّنة" من الاجتهاد الفوتوغرافي النسائي في المغرب، بل بإتاحة ما يشبه بانوراما له، حيث يوفّر المعرض مئات الأعمال لـ24 فنانة فوتوغرافية؛ يُضاف إلى هذا التنوُّع الكبير في الاشتغالات والرؤى المطروحة من خلال هذه الأعمال، التي تجمع بين الصور الفنية، والتسجيلية، والصحافية، إضافة إلى أعمال تنتمي بوضوح إلى النضال والنشاط النسويين. وإلى هذا وذاك، يقترح المعرض مروحةً واسعة من الخبرات، حيث تُعرض أعمال فنّانات قارّات في المهنة إلى جانب صورٍ لفنانات حملن الكاميرا في الأشهر القليلة الماضية فقط.
وعلى سبيل المثال، يقترح المعرض سلسلةً من الصور أنجزتها الممثّلة فاطمة الزهرة الهويتر خلال فترات العزل الصحّي التي عاشها المغرب والعالَم في العامين الماضيين، وهي تشرح أن إنجاز سلسلة الصور هذه كان ثمرةً للصدفة ولظروف العزل الصحّي، وليس لامتهان الفوتوغرافيا. وإلى جانب أعمال الهويتر التي تُعالج المواضيع التي طرحها الحظر الصحّي من عُزلة ووحدة وأزمات اقتصادية وأُخرى عائلية وزوجية، تحضر صور فنانة مثل صفاء مازيغ، التي تكشف تقنيات المزج والتلوين التي تستخدمها، وكذلك صورها الذاتية، عن علاقةٍ ليست بالجديدة بالتصوير؛ الأمر نفسه ينطبق على أعمال المصوّرة هند مومو، التي تخرج في أعمالها من الثيمات المباشرة إلى فضاء فنّي، حُلميّ، يحوّل الصورة إلى عمل فنّي قائم بذاته بمعزل عن القطعة التي تصوّرها من الواقع.
تتوزّع الأعمال المشاركة في فضاءات وصالات تقوم كلٌّ منها على ثيمة معيّنة، حيث يبدأ المعرض بفضاء يضمّ أعمالاً تسعى إلى تفكيك الكليشيهات حول المرأة، والمرأة المغربية على وجه الخصوص، إن كان في المخيال الاجتماعي أو ذلك الاستشراقي، في حين تُخَصَّص صالاتٌ أُخرى للتصوير المفهومي، والتجريبي، أو لأعمال حول الذاكرة، وأُخرى تميل إلى الشعرية.
الفنّانات المشاركات في المعرض هنّ: أمينة بن بوشتة، لالة السعيدي، لمياء الناجي، ياسمينة بوزيان، ديبورا بنزاكن، ياسمينة علوي، غيتا علوي، صفاء مازيغ، عصماء أخنوش، حسناء الوركة، ياسمين حاتمي، إيمان جميل، ابتهال الرملي، مديحة الصباني، خديجة الأبيض، فاطمة الزهراء سري، إيناس بوعلو، سمية أزحاف، سليمة حمريني، هند مومو، نوار ناصح، فاطمة الزهرة الهويتر، جميلة مستقبل وزينب بلعياشي.