في صيف 1998، عاد "مهرجان تيمغاد الدولي" في محافظَة باتنة، على بُعد 418 كيلومتراً شرق الجزائر العاصمة، بعد انقطاع استمرّ سنوات عدّة. وكان وقوفُ موسيقيّين مِن الجزائر وخارجها على خشبة مُدرّجات "تيمغاد" أو "تاموغادي" - المدينةِ الأثرية الرومانية التي بُنيت عام 100 للميلاد، وصنّفتها "يونسكو" عام 1982 ضمن قائمة التراث العالمي - بمثابة إشارة إلى بداية نهاية مرحلة عاشت فيها الجزائر أزمةً أمنية وسياسية وعزلةً دولية.
هكذا، وجدَت التظاهُرة الموسيقيّة نفسَها أمّام مهمّاتٍ جديدة: "كسرُ جدار الصمت والعزلة وبثُّ الأمل مِن جديد، مِن خلال الفنون والثقافة"، بحسب تصريحات القائمين عليها حينها، وهي مهمّاتٌ انضافت إلى مهمّتها الأصلية، حين انطلقت في عام 1967 كتظاهُرة محلّية باسم "مهرجان الفنون الشعبية": إضفاءُ حركية ثقافية وسياحية على المنطقة التي تضمُّ المدينة الرومانية الأقدم في أفريقيا، والوحيدة التي لا تزال مُحافِظةً على شكلها النموذجي في القارّة.
عُهِد إلى "الديوان الوطني للثقافة والإعلام" - وهو هيئةٌ تابعةٌ لوزارة الثقافة - تنظيمُ التظاهُرة ضمن ما يُنظّمه من أنشطة ثقافية وفنّية، واستمرّ ذلك منذ 1998 وحتّى 2006، سنةِ اعتماده رسمياً مِن قبل الوزارة باسم "مهرجان تيمغاد الدولي"، وتعيين إدارةٍ تُشرف على تنظيمه. ومنذ عودته، بات المهرجانُ التظاهُرة الفنّية الأبرز في الجزائر، قبل أن يتوقّف مُجدَّداً في دورته الواحدة والأربعين صيفَ 2019.
لا يزال عددٌ من المهرجانات الثقافية في الجزائر متوقّفاً منذ 2019
كان الحَراك الشعبيُّ الذي شهدته الجزائر في تلك السنة السببَ الظاهر لتوقُّف المهرجان، وهو توقُّفٌ سيستمرُّ خلال السنتَين اللاحقتَين بسبب انتشار حائجة كورونا. غير أنّ اللافتَ عدمُ تطرُّق القائمين على وزارة الثقافة، طوال تلك الفترة، إليه؛ إذ لم تصدُر عنهم أيّةُ تصريحاتٍ تُفيد بتأجيله أو موعد عودته، وهو ما لا يزال ينطبق أيضاً على تظاهُرات أُخرى، مثل "مهرجان جْميلة العربي" في سطيف، و"مهرجان الفيلم المتوسّطي" في عنّابة، و"مهرجان الفيلم العربي" في وهران.
هذا الصمت سيكسره مُحافِظ باتنة، توفيق مزهود، الذي أعلن، قبل أيام، على هامش انطلاق الدورة الأُولى مِن "الأيام الوطنية للفنّان المُؤدّي" في "دار الثقافة محمد العيد آل خليفة" بمدينة باتنة، عن عودة المهرجان بـ "نَفَس جديد" في الأسبوع الأخير من تمّوز/ يوليو المقبل، مُشيراً إلى تخصيص مبلغٍ مالي لإعادة تهيئة المدخل الرئيسي لمدينة تيمغاد الأثرية.
ولم تُعلِن وزارة الثقافة، إلى الآن، عودة المهرجان، أو أعضاء الهيئة التي تُنظّمه، مع العلم أنَّ الإقالات التي طاولَت، منذ 2019، كثيراً من مُديري المهرجانات الثقافية (لا يزال معظمها من دون مديرين) لم تشمل مدير "مهرجان تيمغاد الدولي"، الذي وجّهت قرابةُ أربعين فنّاناً من مدينة باتنة، خلال الشهر الماضي، رسالةً إلى وزيرة الثقافة صورية مولوجي، طالبوها فيها بإعادة النظرِ في إداراته، بدعوى أنّها تتضمّن "دخلاء على المشهد الفنّي".