منذ بداية الحرب الروسية الأوكرانية، والمعارك تتهدّد المعالم والمنشآت الثقافية دون تمييز، كجزء من استهداف أكبر لكلّ ما هو حيّ. والأمثلة المباشرة على ذلك متعدّدة، إذ ما زال العالم يحبسُ أنفاسه على وقع الحصار والقصف الذي تشهده مدينة أوديسا، واقتراب الاشتباكات من متحفها الذي يضمّ 170 ألف قطعة أثرية تنتمي إلى عصور مختلفة.
ولكن ما جرى في الأمس، كانت عملية مسحٍ مطلق لمعلم حضاري وليس تهديداً فحسب، إذ شمل القصف "متحف سكوفورودا" بمنطقة خاركيف الأوكرانية، الأمر الذي أدّى لاندلاع حريق تسبّب بدمار المبنى بأكمله، ولو أنّ القائمين عليه أعلنوا نقل المقتنيات إلى أمكنة آمنة.
ومن المصادفات المريرة أنّ في هذا العام تمرّ الذكرى 300 لولادة الفيلسوف والشاعر والراهب غريغوري سكوفورودا (1722 - 1794) الذي يحمل المتحف اسمه. وصحيح أنّ شرط التنازع ينطبق عليه، إذ أسهم بشكل كبير في كلا الثقافتين الروسية والأوكرانية، ولكن الجهة التي استهدفت المتحف ليلة أمس، تبدو وكأنّها قد فرّطت بنصيبها من إرثه الثقافي، خاصّة أنّه وُصف في القرن الثامن عشر الذي عاش فيه بأنّه "سقراط" عصره.
تلقّى سكوفورودا تعليمه الأوّلي في "أكاديمية كييف موغيلا" وسرعان ما تأثّرت أفكارُه بأعلام الفلسفة اليونانية الكلاسيكية مثل أفلاطون والمدرسة الرُّواقية، الأمر الذي تسبّب له بتضييقات قادها ضدّه بعض اللاهوتيّين. بيد أنّه واجه ذلك بمزيد من الزهد الذي عُرفَ به، وبنمط حياة آثر فيه التجوال والارتحال فطاف بأرجاء روسيا وقضى جزءاً من حياته في مدينتي موسكو وسان بطرسبرغ، ثمّ انتقل إلى المجر، قبل أن يقرّر العودة إلى كييف حيث تفرّغ لتدريس الشعر والنحو وتأليف مقرّرات الأخلاق التي طالما صودرت، كما لم تُطبع مؤلفاته إلا بعد رحيله.