في صيف كلّ عام، يتحوّل جنوب فرنسا إلى فضاء للفعاليات الثقافية والفنية الكبرى، حيث يرتبط اسم عددٍ من المدن بمهرجانات باتت أشبه بهويّة ثقافية لها، تستقطب الآلاف (وأحياناً عشرات الآلاف) من الباحثين عن العروض الجديدة، إضافة إلى العشرات من الفنانين، ليس من فرنسا بحسب، بل من أوروبا وخارجها أيضاً.
وإذا كان اسمُ مدينة كان قد ارتبط بمهرجانها السينمائي العريق، كما هو حال اسم مدينة أفينيون التي باتت تُختصَر بمهرجانها المسرحي الأكبر في أوروبا، فإن مدينة آرل تُعرَف بكونها عاصمة التصوير الفوتوغرافي في فرنسا، وذلك بفضل مهرجانها "لقاءات آرل الفوتوغرافية"، الذي بات الموعد السنوي الأبرز، ربما، للتصوير الضوئي في القارة العجوز.
المهرجان الذي أطلقه عام 1970 كلّ من المصوّر لوسيان كليرغ، والكاتب ميشال تورنييه، والمؤرّخ جان موريس روكيت، يعود هذا العام بنسخته الثانية والخمسين، التي انطلقت في الخامس من تمّوز/ يوليو الجاري وتستمرّ حتى السادس والعشرين من أيلول/ سبتمبر المقبل، وتحتضن أكثر من عشرين معرضاً موزّعاً على أروقة المدينة وصالاتها الفنية وفضاءات المؤسّسات والجمعيات أو حتى أماكن العبادة.
اختار القائمون على "اللقاءات" مسألة الهوية والجندر محوراً لنسخة العام الحالي، في محاولةٍ لتسليط الضوء على شرائح اجتماعية وثقافات غالباً ما تتعرّض للتهميش أو التناسي أو التعتيم بحجّة عدم تطابقها مع المعايير المهيمنة. هكذا، يحاول أكثر من معرض كسر الصور النمطية حول الأشخاص ذوي البشرة السوداء، كما هو حال معرض "ذي نيو بلاك فانغارد" الجماعي، الذي يحاول المصوّرون المشاركين فيه تفنيد مقولات عنصرية وتعميمية وإظهار جماليات الجسد والاختلاف الثقافي بين شرائح شديدة التنوّع من أصحاب البشرة السوداء.
ومن المعارض الأخرى التي تدور حول ثيمات الهوية والاختلاف والنوع، معرض "الرجولة بصيغة الجمع: التحرّر من خلال التصوير الضوئي"، والذي يفكّك فيه نحو 50 مصوّرة ومصوّراً أسئلة ثقافية وهوياتية وبنىً اجتماعية تعيشها المجتمعات الغربية منذ ستينيات القرن الماضي؛ في حين تتوقّف مصوّرات من أميركا الجنوبية، في معرض "بما أنه بات علينا إعادة التفكير بكلّ شيء"، عند دور النسوية النقدي إزاء الرأسمالية، مع الإضاءة على تأثير الجائحة والحظر الصحّي الذي رافقها على أنماط العيش اليومي.
من بين المعارض العربية المشاركة، معرض "ثورة: السودان، قصّة انتفاضة"، الذي يضمّ أعمالاً لثمانية فنانات وفنانين سودانيين من جيل واحد تقريباً (تتراوح مواليدهم بين 1986 و1998)، وجدوا أنفسهم أمام واقع يتطلّب منهم توثيقه: توثيق صمود المتظاهرين، وتوثيق القمع. تتنوّع الصور المعروضة بين مناظر خارجية، في مظاهرات أو خلال التحضير للمظاهرات، وبين بورتريهات، أو مشاهد داخلية، كمشهد تلك الفتاة التي تنظر من مهواة في باب بيتها إلى الطريق لتتأكّد إن كانت خالية من الشرطة الذين داهموا الحيّ، كما نرى في صورة للفنانة ميتشي جعفر.