ضمن برنامجها لهذا الخريف، تستضيف منصّة "أوبن غاليري برلين" معرضاً فنياً إلكترونياً بعنوان "كيفك؟" للتّشكيلي اللبناني فادي الشّمعة، يستمرّ حتى الخامس عشر من تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل. حول اختياره هذا العنوان، الذي يبدو ساخراً للوهلة الأولى، يقول الشّمعة في حديث إلى "العربي الجديد": "لا يمكن أن يكون العنوان ساخراً: فهذا السّؤال - كيفك؟ - أسأله كلّ يوم لأمّي وأولادي والأصدقاء من حولي، والمفارقة أنّني أنتظر الإجابة... ببساطة هو سؤال للاطمئنان عن الأحوال والأمور لا يهدفُ لأيّ شيء ولا يحملُ أيَّ بُعدٍ آخر".
هذا المعرض الافتراضي الفردي هو الأوّل للشّمعة، الذي سبق أن شارك سابقاً في معارض افتراضيّة جماعيّة. يضمُّ المعرض 20 لوحة مشغولة على مدى سنة واحدة، منذ اليوم الأوّل بعد انفجار مرفأ بيروت وحتى الثّالث من آب/ أغسطس 2021.
يفتتح الشّمعة معرضه بمصارحة مع الجمهور هي أقرب ما تكون إلى الحديث مع النّفس: "إنّه سؤال بسيط لشعورٍ معقّد. كيفك؟ سؤالٌ كان دائماً حاضراً، ولكنه صار الآن متواتراً أكثر. يبدو لي أنّنا فقدنا قدرتنا على العثور على الكلمات الصحيحة لوصف أرواحنا، لأنّنا نعيش باستمرار في حالات من النّسيان، بين هذا وذاك، أو كلّ هذا وكلّ ذلك. نسألُ ونُجيب مرّة أخرى مع الكثير من عدم اليقين. ومع ذلك فإن هذا السّؤال البسيط، كيفك؟ بغض النظر عن الإجابة عنه، يؤثّر على كياني بالكامل؛ الصورة الّتي تنشأ عن ذلك ليست صورتكَ أنتَ فقط، إنها لي أيضاً".
كلّ لوحة هي بناء مفصّل ومنفصل، تقول ما لديها وتنسحب
اللوحة الأولى التي يفتتح بها المعرض تحملُ عنوان: "ليس بالشيء الكثير"، تليها مجموعة متنوّعة تشترك إلى حدّ ما في عبثيّتها، رغم أنها تبدو كإجابات عن سؤال/ عنوان المعرض؛ من بينها: "كل شيء على ما يرام"، "جيّد"، "لست بذلك السوء"، وعناوين أُخرى كهذه.
الناظر بتمعّن إلى اللوحات يكتشف أنّها مختلفة وتحملُ ثيمة مُغايرة عن معرضه الأخير في 2019، والذي احتضنه غاليري "آرت لاب" في الجميزة ببيروت وكان قد حمل عنوان "غداً مَن أنا؟". تنطلق اللوحات من منطقة سوداء سفليّة رغم اعتدادها بالألوان، إلّا أنّها تبقى متشائمة ومحكومة بالتّموضع في فضاء اللوحة. يمكن لهذه اللوحات أن تتحوّل إلى بصمة أو توقيع يختصّ به الشّمعة، بصمة جديدة أقرب إلى الخربشة المدروسة. تُظهر هذه البصمة رغبة واضحة في المشاكسة والاختلاف، بعيدة كلّ البعد عن اللّوحة التقليديّة. كلّ لوحة هي بناء مفصَّل ومنفصل، تؤدّي دورها، تقول ما لديها وتنسحب.
تلتقط لوحة الشّمعة تفاصيلها من عزلته الأخيرة بسبب جائحة كورونا، تُضاف إليها جردة الأحداث اللبنانية المستجدّة، وأيضاً من ذاكرة صُوَريّة جمعها كفنان من ترحال ورحلات متعدّدة في بلدان عديدة.
اللّوحات المعروضة تُقدِّم للمتفرّج كائنات فضائيّة مفكّرة تتنوّع بين الذكور والإناث، وأيضاً تضمُّ بشراً مجهولي الهويّة الجندريّة. هذه الكائنات المُنشغلة والمنتسبة بألوانها إلى الطبيعة هي كائنات مُعلَّقة، مزيج من الأفكار والمعتقدات مجسَّمة في عمل فنّي.
يُضافُ إلى ذلك بعض اللّوحات التي تُجسِّدُ مجتمعات مصغَّرة، وحيدة وبلا رأس، أو بتعبير آخر بلا همّ. كائنات سوداء قوامُها الضّباب والغيوم والرؤوس المُختفية في خلفيّة لونيّة. ويضيفُ بعض الكلام في اللّوحة، يسأل ويستفسر ولا يُجيب.
وفي نهاية المعرض يجد المشاهدُ ملحقاً فيه ما يقارب الخمس لوحات أضافها الشّمعة كاسكيتشات وتركيبات حجرية وأقمشة، تضعُ زائرها أمام حيرة في طريقة التعامل مع المادّة الفنيّة المطروحة وحيرة في التساؤل، ورغبة في قياس كميّة العاطفة والشّعور في مادّة الشّمعة الجامدة.
بطاقة
فنان تشكيلي وقيّم ثقافي لبناني من مواليد بيروت عام 1960. يعرّف نفسه كرسّام عصامي منذ الثمانينيات. شارك في العديد من المعارض والفعاليات الوطنية والدولية، كما أقام معارض فردية في كلّ من مصر ولبنان، وشارك في تأسيس مجموعة "النوم مع العدوّ" الفنية في بيروت. كما أنه، كقيّم ثقافي، نشط في تشكيل زاوية في المشهد الثقافي اللبناني.