"قواعد الفن؟": محاولة للنظر أبعد من أوروبا

13 ديسمبر 2021
من فيلم "بحر الدُّوار"، 2015، للفنّان الغاني جون أكومفرا (من المعرض)
+ الخط -

حين نقف اليوم أمام فنون ما بعد الحداثة، تحضر محطّات أساسية تمتدّ على مدار ثلاثمئة عام، قادت إلى تغيير جملة مفاهيم حول العمل الفني وعلاقته بالواقع الموضوعي والمعايير الاجتماعية نتيجة التشكّك فيها، استناداً إلى مقولات فلسفية وفنية سعت في غالبها لتحطيم الفروق بين الثقافة الرفيعة وذائقة العامّة.

في معرض "قواعد الفن؟" الذي افتُتح في "المتحف الوطني" بمدينة كارديف في الثالث والعشرين من تشرين الثاني/ أكتوبر الماضي، ويتواصل حتى الرابع من أيلول/ سبتمبر المقبل، يضيء المنظّمون سياقات تاريخية وفكرية واجتماعية طوّرت تلك القواعد أو تجاوزتها، بلغة أدقّ.

ويوضّح المعرض كيف تبدّل التصنيف الذي حكم اللوحة ضمن قواعد وضعتها "الأكاديمية الملكية للرسم والنحت" الفرنسية في منتصف القرن السابع عشر، حيث جرى تأطير الفنانين آنذاك بمواضيع معينة تتمثّل بالرسوم التاريخية والدينية والبورتريه الذي يصوّر الوجوه والأجساد على نحو مثاليّ، إلى جانب المناظر الطبيعية الصامتة ومشاهد ثابتة من الحياة اليوم.

لم يعد ممكناً استحواذ الغرب على سوق الفن ومعاييره الجمالية

وفق هذا التصنيف، كان عالم الفن متشدّداً، ليس في تحديد موضوع العمل فقط، بل في افتراض أن الموضوع هو الأصل، ولا يمكن الرسم خارج هذا التصوّر الذي يضع الجمال ضمن أُسُس لا مساس بها، وتجري المقارنة بين لوحة وأخرى من خلال موضوعها، سواء أكان فاكهة أم مشهداً درامياً مقتبساً من الكتاب المقدس، أو رسماً لأحد أفراد العائلة المالكة أو طبقة النبلاء.

ولا يغفل المنظّمون حقيقةً ظلّت راسخة، وإن تزعزع اليقين حول كثير من جوانبها، وتكمن في استحواذ الفنانين الأوروبيين، والرجال منهم بشكل رئيسي، على الفن الكلاسيكي، ما حال دون الاعتراف بوجود فنانين خارج القارة العجوز حتى نهايات القرن التاسع عشر.

تُعرَض لوحات رامبرانت بجوار أعمال فنانين أفارقة معاصرين

يعيد المعرض ترتيب تاريخ الفن بصورة جديدة، فتُوضَع لوحات رامبرانت وبيكاسو بجوار أعمال لفنانين أفارقة معاصرين، كذلك تُعَلَّق بورتريهات لنساء حزينات من العصر الفيكتوري، إلى جانب صور فوتوغرافية حديثة لفتيات من ويلز يرتدين زيّاً قوطياً مشابهاً. وتتجلّى المفارقة أكثر بعرض أعمال بول غوغان إلى جانب خزفيات لفنانين من القرن الحادي والعشرين.

عملية مستمرّة في تفكيك التسلسل التاريخي للفنّ الذي أملته الأكاديميات الغربية قبل أن تظهر حركات فنية على مرّ الزمان تتحدّى هذه المفاهيم الصارمة، لتقدّم اقتراحات مغايرة تضمّنت روحاً متمرّدة ومغامرة لفنانين من مختلف أنحاء العالم أرادوا طرح أسئلتهم الخاصّة حول هويتهم وثقافتهم وتصوّرهم للمشكلات الاجتماعية السياسية في بلدانهم، ورؤيتهم للفن خارج المنظور الأوروبي.

تتنوّع الأعمال المعروضة بين الرسم والنحت والتصوير الفوتوغرافي والأفلام والخزف والأعمال الإنشائية، ومنها فيلم "بحر الدُّوار" للفنان والمنظّر الغاني جون أكومفرا (1957)، الذي تبنّى مواقف راديكالية تجاه واقع الفن ما بعد الاستعمار، حيث يتناول فيلمه عمليات صيد الحيتان وأثرها على البيئة. هل من قواعد للفن؟ لا إجابة محدّدة عن هذا السؤال، لكنّ الفن كسر الهيمنة الأوروبية، وليس من المتوقّع أن يعود الزمن إلى الوراء...

المساهمون