ما الذي يجمع بين فيلم المخرج الجزائري مرزاق علواش، "عمر قتلاتو" (1976)، ومسرحية الكاتب الأيرلندي صمويل بيكيت، "في انتظار غودو" (1952)؟ قد تكون الإجابة الأولى عن سؤالٍ كهذا موجودة عند الحقوقية والكاتبة الجزائرية وسيلة تمزالي (مواليد 1941)، التي أرّخت، عام 1979، لبدايات السينما الجزائرية بكتابٍ منحَتْه عنوانَ "في انتظار عمر قتلاتو"، والذي التقطت فيه تعبيراً عن حالة السينما الجزائرية في التقاطُع بين بطل فيلم علواش، السوريالي والساخر، وبين بطل مسرحية بيكيت، العبثيّ أو حتّى غير الموجود.
هذا الجمع الذي قامت به تمزالي في كتابٍ لم يعد من السهل العثور عليه في أيّامنا هذه، يستعيدُه اليوم منظّمو المعرض الجماعي "في انتظار عمر قتلاتو: نظرة على الفنّ في الجزائر ومهجَرها" في مركز "لا فريش" بمدينة مرسيليا، جنوب فرنسا. المعرض الذي انطلق في شباط/ فبراير الماضي يستمرّ حتى السادس عشر من أيّار/ مايو المقبل، ويضمّ أعمالاً لتسعة وعشرين فنّاناً جزائرياً أو من أصول جزائرية، تغطّي أكثر من خمسة عقود من الإنتاج الفنّي الجزائري: من 1965 حتّى يومنا هذا.
الإحالة إلى فيلم علواش جاءت، بحسب منظّمي المعرض، بوصفه أوّل شريط سينمائي جزائري "يركّز على التجربة الفرديّة في التحرّر واكتشاف الذات"، وباعتباره المثال الفنّي الذي يمكن، من خلاله، قراءة الأعمال التي يضمّها المعرض، والتي تشترك في "السخرية السوريالية" و"إيلاء أهمّيّة كبيرة للجسد ولازدواجية الشعور بالانتماء"، بحسب بيانٍ لهم.
يمكن قراءة الأعمال المشاركة انطلاقاً من فيلم مرزاق علواش
أعمالٌ تنتمي إلى حقول فنّيّة مختلفة (تشكيل وتجهيز وفيديو وغيرها) وتتناول ثيمات شديدة التفاوت: من الوحدة التي تعيشها شخوص جمال طاطاح، التي تتوسّط لوحاتٍ بخلفيّة من لون واحد، بارد في الأغلب، إلى المناظر الطبيعية المحتشدة بالألوان الحارة والعناصر، كما هو الحال في أعمال باية، مروراً بفيلم حسن فرحاني وصوَره حول مليكة، تلك المرأة التي تعمل في منتصف الصحراء، نحو 1000 كيلومتر جنوب الجزائر العاصمة، وليس انتهاءً بشريط سارة صادق، الذي تجمع فيه الرسوم بين المتحرّكة وألعاب الفيديو، في عملٍ يُحاول تفكيك الذكورية السائدة.
في مجمله، يمنح معرض "في انتظار عمر قتلاتو" تلك النظرة التي يعِد بها الجمهور حول أحوال وتطوّر الفنّ الجزائري المعاصر؛ إذ يجمع أعمالاً من مختلف الحقول ولفنّانين مثّلوا أغلب أجيال الفنّ الجزائري المعاصر، من محمد خدّة (1930 ـ 1991) وباية (1931 ـ 1998) وعبد الله بن عنتور (1931) ومحمد أكسوح (1934)، إلى جيل محجوب بن بلّة (1946 ـ 2020) وهلال زوبير (1952) وجمال طاطاح (1956)، وصولاً إلى فنانين من جيل لاحق، مثل قادر عطية (1970) وفيصل بغريش (1972) ونوال الورّاد (1980)، وآخرين من الجيل الأكثر شباباً، مثل حسن فرحاني (1986) وسارة صادق (1994).