كتَب الروائي الفرنسي البلجيكي إريك إيمانويل شميت (1960) مسرحيته "فندق العالمين" سنة 1999، التي تصوّر مكاناً مجهولاً، لا أحد من نزلائه الخمسة يعلم كيف انتهى بهم الأمر إلى هذا العالم الأخير، ولا أحد يعلم متى سيغادره، ولا إلى أية جهة سيرحل إليها.
العمل الذي عُرض على العديد من مسارح العالم، نقله إلى العربية سعيد بوكرامي، وصدر عن "المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب" في الكويت عام 2014، وقدّمه أكثر من مخرج عربي على الخشبة خلال السنوات الماضية، مثل غيره من أعمال شميت التي لاقت نجاحاً عربياً، ومنها "اعترافات زوجية"، و"أوسكار والسيدة الوردية".
في رؤية جديدة، بدأ عرض المسرحية في "المركز الثقافي" بمدينة طنطا المصرية الثلاثاء الماضي ضمن أنشطة "نوادي المسرح"، من إخراج محمود فايد وبطولة كلّ من الممثلين محمد محسن، وعبد الله صالح، وإسلام سمير، وإسراء سمير، ومحمد سلامة، وعلا منير، وفريدة البنهاوي.
كتب النص الكاتب الفرنسي البلجيكي إريك إيمانويل شميت حول خمس نزلاء في مكان مجهول
على غرار مسرحيات شميت، تهيمن عوالم غرائبية على "فندق العالمين" حيث كلّ الاحتمالات ممكنة في هذا المكان اللغز، بل إن المعجزات يمكن أن تحدث، فيستعيد ذوو الإعاقة عافيتهم والكاذبون يقولون الحقيقة ومظاهر الزيف والخداع تتبخر، والقلوب القاسية تتحوّل إلى قلوب لطيفة، والقدر يمكن أن ينحاز إلى مصلحة الجمال والحب.
يقدّم فايد النسخة المصرية من العمل في تركيز على طرح مجموعة من التساؤلات الوجودية: أين نذهب عندما نسقط في غيبوبة؟ ونصبح في منزلة بين المنزلتين، أي بين الحياة والموت، وهو تساؤل قد يبدو بلا أفق تخيّلي، لكنه يشكّل عماد العمل حيث تلتقي خمس شخصيات مختلفة في طباعها وسلوكها فوق الخشبة، وتقيم في فندق لا تستطيع تفكيك سرّه مطلقاً، والنزلاء يبدون كأنهم في فندق أحياناً وفي مصحّ للأمراض العقلية أحياناً أخرى.
وتتصاعد الأحداث في المسرحية ليتواجه الممثلون أمام أسئلة لا يجدون لها جواباً، فجميعهم يريد معرفة الوظيفة التي تؤدّيها الطبيبة "س"، ولماذا يوجد مصعد في الفندق متحكم في دخول النزلاء أو خروجهم، وما وظيفته الحقيقية أيضاً، ولم يشغّل بإرادة خفيّة؟
يتشارك الممثلون ذكرياتهم فيما بينهم، التي تعبّر عن غايتهم من الحياة أو الموت، ويروون قصصهم في سياق عبثي وساخر لا يخلو من التأملات الفلسفية، لتعكس في نهاية المطاف جملة من الإخضاعات والإكراهات التي تتعرّض لها البشرية جمعاء في زمننا الحالي، حيث تتراكم الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية لا يجد البشر وسيلة لمواجهتها سوى الانتظار، دون أن يحدّدوا ما الذي ينتظرونه ولماذا.