تحت عنوان "ثلاثون سنة ونستمر بالتقدّم" افتُتح في 17 آب/ أغسطس الحالي في "غاليري صالح بركات" ببيروت معرض عام وشامل لحصيلة ثلاثين سنة من العمل في "صالح بركات" و"أجيال".
انطلقت فكرة المعرض، الذي يستمرّ إلى نهاية الشهر الجاري، من ورشة قام بها القيّمون على الغاليري، حيث كانوا بصدد تعريب وأرشفة نتاجه ومقتنياته، كما يصرّح صاحبه صالح بركات لـ "العربي الجديد": "كنّا بصدد أرشفة وإعادة فتح المخازن واستذكار حصيلة الأعمال المتوفّرة منذ ثلاثين سنة. وأتت هذه الفكرة: لم لا نقيم معرضاً لكافّة مقتنياتنا؟".
يضمّ المعرض 160 عملاً فنّياً بين لوحة ومنحوتة منتقاة من أرشيف الغاليري على مدى ثلاثة عقود بمعدّل أربعة معارض سنوياً، وهي تعود إلى 85 فنّاناً لبنانياً وعربياً، بعضُها من التجارب الأولى التي أسهم الغاليري في إطلاقها وتسليط الضوء عليها. كما يضمّ المعرض عدداً وافياً من أعمال فنّانين مكرّسين أحياء وراحلين، فكانت هذا اللفتة هي بمثابة تحيّة لأرواح من رحل منهم، وتركوا بصمتهم ولوحاتهم في هذا الحيّز.
تنتهي الجولة بـ 50 عاماً من الفن العربي من أجل فلسطين
تتوزّع اللوحات في قاعة كبيرة من قاعات الغاليري السّفلى على أربعة جدران ضخمة، حيث لا يمكنُ للداخل إلى القاعة زيارة اللوحات المعروضة بشكل فردي، لذلك خصّص الغاليري عنصرَين جوّالَين مع الضيوف للشرح والإجابة عن استفسارات الزوّار. اللوحات ذاتها مرفقة ببطاقات الدعوة المؤرشفة لكلّ المعارض، والتي حملت نوعاً من الذاكرة الحيّة لهذه المدينة.
حملت الذاكرة المعروضة من خلال اللوحات وبطاقات المعارض ثيمات عديدة وأهدافاً متنوّعة ومختلفة ومتباينة. تبدأ الجولة مِن أوّل معرض أُقيم لجميل ملاعب عام 1993 بعد عودته من أميركا، وتتتالى بأعمال أُولى ومعارض أُولى لشوقي يوسف وصلاح صولي. كما ضمّ المختارات المعروضة من المعرض الأول في بيروت للفنان المصري عادل السيوي، وأيضاً "من دفاتر فاتح المدرّس" وأعمالاً أُخرى من معرضَي "مذكرات الحروف" و "حريّة" لسمير الصايغ، والتي تولي أهميّة لجمالية الحرف العربي وتجعلُ منهُ سيرتَها الأولى، حتى ليكاد الناظر يحتار بين كون المادة المُشاهَدة لوحة فنيّة أم مجرّد كاليغرافيا حرفيّة.
إضافة إلى بعض الأعمال المعروضة لشاكر حسن آل سعيد لمناسبة مرور سنة على رحيله عام 2004، يمكنُ أن نضيف لوحات وأعمال للفنّانَين السودانيَّين محمد عمر خليل وحسن موسى، ولوحات معمولة على كراتين مجموعة من النفايات لسمير خدّاج تندرج تحت عنوان "كتاب الكتاب"، وتضمّ تفاصيل مثل "كتاب المتحف" و"كتاب الشجرة" و"كتاب السماء"... أمّا مشاركة أسامة بعلبكي فأتت معنونة بمعرضه "أقلّ دخاناً وأكثر"، وحملت شيئاً من حميميته مع اللوحة وأتت البطاقات مرفقة بكتيّب شعري من قصائد الفنان نفسه.
لا ننسى أيضاً مشاركة الفنان سروان باران بلوحات قديمة وجديدة من مقتنيات الغاليري، وأيضاً ساشا أبي خليل التي اتّخذت من معارضها ولوحاتها مسرحاً للروايات، بحيث أخذت من كلّ رواية عالمية تقرؤها سبيلاً للوحة وفكرة لمعرض. أيضاً شذى شرف الدين التي تركت بصمتها من خلال معرضها "تحيّة إلى إبراهيم قشقوش". وبدوره هادي سي الذي حضر من خلال لوحات مفهومية تركّز في طبيعتها وموضوعاتها على علاقة الفن بالمال.
يعود الغاليري إلى أسماء أسهم في إطلاقها وإضاءتها
في حديثه إلى "العربي الجديد"، يقول صالح بركات: "في هذه اللفتة نوع من المديح للفن اللبناني والعربي الذي ما زال صامداً رغم كلّ العواصف". وحول تزامن المعرض مع ذكرى انفجار الرابع من آب/ أغسطس يجيب: "كنتُ وما زلتُ معترضاً على الفن الذي ظهر بعد الانفجار، كان فنّاً متسرّعاً نوعاً ما. لا بدّ للأشياء من أن تختمر قبل أن تخرج، والحقيقة أنّنا أمام هكذا حدث لا يمكننا فعلُ أيّ شيء سوى أن نصمت. هذا أقصى ما يمكننا فعله".
وبالنسبة إلى عنوان المعرض يوضح بركات: "العنوان واضحٌ وخال من أيّ التباس أو إبهام، الناظر مباشرة يبصر في العنوان تطلّعاً نحو الأمام، بقايا إيمان بهذه المدينة، نترقّب الإيجابيّات الموجودة والباقية تحت كلّ هذا الخراب، وذلك بفعل إيماننا ببيروت مدينةً قادرة على العيش والحب والحياة".
تنتهي الجولة تقريباً عند عدد من اللوحات المرفقة ببطاقة لمعرض حمل عنوان "50 عاماً من الفن العربي المعاصر من أجل فلسطين - أعمال مختارة" والذي أُقيم سنة 1998 وضمّ عدّة أعمال من كلّ عام منذ النكبة وحتى ذلك الحين.
الطريقة المحتفية التي عُرضت بها اللوحات تحوّل الحدث من مجرّد عمل أرشيفي إلى ما يشبه القصور الأرستقراطيّة الضخمة والشاسعة الفاتحة ذراعيها لضيوف أرادوا المرور عليها وإلقاء السّلام.