إنْ أردنا كتابةَ تاريخ موجَز عن العالَم المعاصر، فإنّنا سنضع في زاويةٍ منه ما شهدته البشرية وتشهده من مآسٍ بسبب الاستعمار والاضطهاد والحروب وتدمير للبيئة، وما نتج عن ذلك من هجراتٍ غير مسبوقة وتحوُّلاتٍ كبيرة في الأنسجة الاجتماعية على امتداد العالَم، ثمّ نضع في الزاوية المقابِلة محاولات الأنظمة السياسية الدؤوبة ومتعدّدة الأشكال لطمس السرديات التاريخية من خلال خلق فضاءاتٍ من الصمت.
في معرضه "عن الصمت"، الذي انطلق الإثنين الماضي في "المتحف العربي للفن الحديث: متحف" بالدوحة ويستمرّ حتى الواحد والثلاثين من آذار/ مارس المقبل، يُعالج الفنّان الجزائري الفرنسيّ قادر عطية (1970) مفهوم الصمت مِن خلال مجموعةِ أعماله الفنّية الكاملة التي أنجزها على مدار العشرين سنةً الأخيرة، والتي تشمل أعمالاً تركيبية، ومنحوتات، وقطعاً فنية، وأعمالاً بتقنية الكولاج، ورسومات، ومقاطع فيديو، وصوراً فوتوغرافية.
تتأمّل أعمالُ المجموعة "تلك الصدمات التي تلت الاستعمار وما ينطوي عليه ذلك من حالة إصلاح نفسي"، بحسب بيان المنظّمين الذي يُشير إلى أنَّ المعرض يسرد "قضايا تؤثّر على الإنسانية بأسرها، ولكن مع الاهتمام بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التي تشهد حالة من الصَّمت المطبق في قضايا ثقافية واجتماعية وتاريخية والتابوهات التي تقلّص فضاءات التعبير وتجعلها بمثابة تحدّيات في الحياة العامة والنقاش السياسي".
يطرح قضية إعادة الآثار التي نهبها الاستعمار من القارة الأفريقية
من خلال استخدامه خامات ووسائط متعدّدة وإحالات إلى مفاهيم نظرية ومواد أرشيفية، يتقصّى الفنّان الذي يُقيم ويعمل متنقّلاً بين ألمانيا وفرنسا مواضيع مثل التراث والمعاصرة، والاستعمار والتحرير، والمحلّي والعابر للحدود، ويناقش قضايا تتعلّق بالبيئة وعلاقة البشر المادية وغير المادية بالكون. هذه الثيمات والقضايا يربُطها خيطٌ مشتركٌ يتمثّل في "الصَّمت القسري" الذي يؤدّي إلى الاضطهاد والصدمة، والذي يمكن كسره من خلال اللحظات الثورية.
يحضرُ في المعرض عملان رئيسيّان أنجزهما عطية خصّيصاً للمتحف؛ أوّلهما هو "تشابك الأشياء" (2020)، وهو عملٌ تركيبي يتألّف من فيديو ونُسخ شبه الأصل عن منحوتات أفريقية، يطرح قضية إعادة الأعمال الفنّية والأثرية التي جرى نهبُها من أفريقيا خلال الفترة الاستعمارية. أمّا الثاني، "عن الصَّمت" (2021)، والذي يستمدُّ عنوان المعرض تسميته منه، فهو عمل تركيبي يتألّف من أطراف صناعية تُجسِّد إحدى وسائل علاج الضحايا الذين يفقدون أطرافهم في مناطق النزاعات المسلّحة.
إلى جانب ذلك، تحضر أعمالٌ أُخرى من مجموعاته السابقة؛ مثل "الشبح" (2007)، وهو تجهيز لهياكل آدمية مفرغة مُشَكَّلَة من رقائق الألمنيوم، و"متابعة إرث الحداثة" (2012 - 2020) وهو عملٌ يمزج بين الصور الفوتوغرافية والوثائق القديمة على ورق مقوّى، و"مرايا وأقنعة" (2013) الذي يتألّف من خشب ومرايا وفولاذ، و"ذاكرة عاكِسة" (2016) وهو إسقاط فيديو رقمي من 48 دقيقة وثانية واحدة.