"عصيٌّ على المَحو".. موقف تأمّلي تصوغُه الفسيفساء

28 مايو 2022
لوحة بعنوان "أريفيون" (من المعرض)
+ الخط -

عادةً ما تستأثر حقول فنّية بالضوء والاهتمام على حساب أُخرى تِبعاً لشروط مختلفة تتبدّل مع الزمن. وفي هذا السياق، يبدو الحديث عن فنّ الفُسيفساء ضرباً من التقليدية، ربّما بسبب ندرة الإنتاج، أو لاعتقاد الكثيرين بأنّ هذا الفنّ يحتاج إلى تصوّرات معقّدة وتقنيّات تبدو محجوبة، أو تقبع خلف الجَمالية الناجزة التي نراها بعد اكتمال اللّوحة. 

"عصيّ على المَحو" هو عنوان المعرض الفسيفسائي الذي تحتضنُه "دار الثقافة السليمانية" في تونس العاصمة، للفنّان الطيب زيّود، حيثُ افتُتح في الرابع عشر من الشهر الجاري ويستمرّ إلى الثلاثين منه، وفي هذا فرصة لنَقلِ الحالة التأمّلية الرفيعة من الموضوع الفني نفسه، إلى النقد، أوّلاً، الذي يتناوله ويحلّل أدواته، ومن ثمّ إلى المتفرّج العادي. 
   
يشتغل زيّود في أعماله على استنهاض فنّ يوصَف بالصّعب عادةً، كما يسعى إلى إعادة تقديمه للجمهور بأدوات تُقاطِع ما بين الاعتماد على المناظِر الطبيعية المُباشرة، وبين التكثيف الداخلي للأحاسيس، وهذا يُعيدُنا إلى الحديث عن عمق المَوقف التأمّلي المطلوب من أجل إنجاز عمل واحد، خصوصاً أنّ العتبة الأولى في هذا النوع الفنّي ليست سوى قطع حجارة صغيرة تتعشّق بِكسرَات من الرخام، ولكنّ هذا المزيج قاس وصلب يقدر على تحدّي العوامل الزمنية، ومن هنا استوحى المعرض عنوانه.

الصورة
لوحة عبور - القسم الثقافي
لوحة بعنوان "عبور" من المعرض

يُقدّم الفنّان عدداً من الاشتغالات التي ينفتحُ كلٌّ منها على موضوعة معيّنة، وبطبيعة الحال يحضر التاريخي في أعماله؛ مثل لوحتي "أوريفيون" و"نيبتون" اللتين تُحيلان إلى التراثَين الإغريقي والروماني القديم، حيث استعانت حضارات هذه الشعوب المتوسّطية بالفسيفساء كتمثيل جمالي ما زالت آثارُه قائمة إلى اليوم.

وللراهن نصيب من الموضوعات أيضاً، وهذا ما تجلّى في لوحة "عبور" التي تمثّل جزيرة جربة التونسية وهي محاصَرة أو مُغلقة أثناء جائحة كوفيد- 19. وكأنّها تنقل بذلك وضعية قاسية مُغلّفة بألوان داكنة، بيد أنّها طارئة لو نظرنا إليها من زاوية الاستمرارية الإنسانية، وكذلك لوحة "الواحة" التي استلهمت الحريق الأخير الذي وقع في "سوق جارة" بمدينة قابس. 

من العناوين الأُخرى في المعرض؛ "القصر المهجور" و"العاصفة"؛ حيث حاول الفنّان من خلالها إعادة حضور فنّ الفسيفساء في مشهدية الفنّ التونسي، وجعله أكثر ألفة على المستوى البصري لدى شريحة من المتابعين.

المساهمون