"صنع رودان": النحّات خارجاً على عصره

17 يونيو 2021
(من المعرض)
+ الخط -

في عام 1898، أثار أوغست رودان عاصفة من الجدل حول التمثال الذي يجسّد الروائي الفرنسي بلزاك بعد نحو سبع سنوات من وضع الدراسات والقوالب الأوّلية، ليعاكس تاريخاً طويلاً من النحت الأوروبي الذي قام على تصوير الجسد الإنساني وفق منظوره للتشريح مع التركيز على معالم قوّته وجماله.

قدّم عملاً يركّز على شخصية الكاتب ولا يتشابه مع جسده، في لحظة سبقت ظهور الحركة السوريالية بأكثر من عقدين، حيث أراد أن يظهر الأفكار التي تتملّكه في إحدى نزهاته الليلية وهو يتدثّر بثوبه الفضفاض، بل إن إحدى الدراسات التي وضعها يظهر فيها الثوب يغطي جسداً بلا رأس.

تجديدٌ لم يلق استحساناً في عصره واضطر النحّات الفرنسي (1840 – 1917) إلى إبقاء النصب في منزله، ليتمّ الاعتراف بمكانته في فترة لاحقة، كما يبيّنه معرض "صنع رودان" الذي افتتح في السابع عشر من الشهر الماضي في "متحف تيت مودرن" بلندن، ويتواصل حتى الحادي والعشرين من تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل.

يضمّ المعرض أكثر من مائتي عمل، يسعى المنظّمون من خلالها إلى إبراز كيف خرج رودان على القواعد الكلاسيكية للنحت، مع استشهاد بمقولته "تحرري من الأكاديمية كان عبر مايكل أنجلو"، والذي يصفه بالجسر الذي مرّ فوقه من دائرة إلى أخرى.

(من المعرض)
(من المعرض)

العمل الذي شكّل نقطة محورية في تجربته كان تمثال "العصر البرونزي"، الذي عُرض لأوّل مرة عام 1877، وهو لرجل عارٍ بالحجم الطبيعي، وعبّر فيه عن رؤية راديكالية واجهت انتقادات عديدة آنذاك بسبب الوضع الغامض للشخصية التي جسّدها؛ حيث إن ذراعيها مرفوعتان، كما أن عينيها مغمضتان، ورغم أنه لا يمكن التعرّف إلى ملامحه إلا أنه كان ينبض بالحياة، وكان شراء التمثال من قبل الحكومة الفرنسية بعد ثلاث سنوات بمثابة أول تقدير ناله في حياته.

إلى جانب هذا العمل، تُعرض منحوتته الشهيرة أيضاً بعنوان "القبلة" والتي نحتها من الرخام سنة 1882، لكنّ شفاه العاشقين في المنحوتة لا تتلامس، وكأنهما مُنعا من التقبيل، والتي استعارها من الجزء الأول من ملحمة "الكوميديا الإلهية" لدانتي، حيث فرانشيسكا وباولو في تلك اللحظة، كما حاول رودان التأكيد على أن المرأة شريك للرجل في الحب ولا تخضع لإرادته.

أما تمثال "المفكر"، فقد نفّذه من البرونز فوق قاعدة حجرية لرجل عارٍ يجلس فوق صخرة، متكئاً بمرفقه الأيمن على فخذه الأيسر وممسكاً بذقنه بحيث يبدو غارقاً في التفكير، وقد صنع رودان أول نسخة جبسية منه عام 1881، ثمّ قدّم المنحوتة كما رآها الجمهور في باريس سنة 1904. وخلال هذه المدة، صنع منه ثماني وعشرين نسخة لا تزال موجودة حتى اليوم.
 

المساهمون