لم يكن انتقال دافيد داود مع عائلته من بيروت إلى باريس، عام 1983، بسبب الحرب الأهلية اللبنانية، من دون تأثير على مسيرته لاحقاً كفنّان تشكيلي، حيث ستلعب مشاهد العنف والحصار التي شاهدها طفلاً، والأسئلة الوجودية التي تنبع من تجربة الحرب، دوراً أساسياً في لوحاته.
يستكمل الفنّان اللبناني (1970) أسئلته هذه في الأعمال التي يضمّها معرضه الجديد، "حلمٌ بالمطلَق"، الذي افتُتح في الرابع والعشرين من أيار/ مايو الماضي في "غاليري شريف تابت"، حيث يستمرُّ حتى الرابع والعشرين من حزيران/ يونيو الجاري.
في تنويعٍ بين لوحاتٍ زيتية وأُخرى أنجزها بالحبر، يرسم الفنان شخوصاً بشرية موزّعةً على خلفيات طبيعية تتجاوَز أحياناً التركيب الشائع في الخلفيات (وراء الأشكال البشرية)، حيث تتمَاهى أشجارٌ وقوارب وأحصنة وأسماء على سطح اللوحة مع البشر، بل وحيث نقف أحياناً أمام أكثر من طبقة من الحضور البشري، كما لوحة "حُلم" التي يجلس فيها شابٌّ على كرسي، في حين نجد أشخاصاً، بتفاصيل أقلّ، يحضرون كأشباح وراءه أو على يمينه ويساره.
ورغم تعدّد المشاهد التي يرسمها دافيد داود، بين مجموعة من النساء تمشي، وأشخاص آخرين يقفون أو يجلسون هنا وهناك، إلّا أن مشتركاً يستمرّ في هذه الأعمال، حيث يبدو الفنان وكأنه يعمل على حذف التاريخيّ منها، لتبدو معلّقةً خارج الصيرورة اليومية وسرديّتها، وكأنه بذلك يريد ملامسة المطلَق، الذي تأتي الألوان ــ الخافتة والمطفأة بالأغلب ــ لتزيد من إحساسنا به، أو ملامستنا له، في اللوحات.