مع إعلان الدستور العثماني عام 1908، الذي أعاد جملة من الإصلاحات السياسية كان قد توقف العمل فيها رغم إقرارها عام 1876، صدرت العديد من الجرائد والمجلات في بلاد الشام وبقية المناطق الخاضعة للدولة العثمانية، مستفيدة من مناخ الحريات الصحافية آنذاك.
من هذه الجرائد كانت صحيفة "القدس" التي أصدرها جورجي حنانيا، أحد أوائل المحرّرين وأصحاب المطابع في فلسطين، والذي أسس مطبعته في مدينة القدس سنة 1894، وكانت حروفها بالإنكليزية والفرنسية ثم استقدم حروفاً عربية بالرغم من معارضة السلطة التي لم تشجع النشر باللغة العربية، واستطاع أن يطبع خلسة 38 كتاباً بالعربية.
وتتيح "مؤسسة الدراسات الفلسطينية" نسخاً رقمية على موقعها الإلكتروني من صحيفة "القدس" التي صدر عددها الأول يوم السبت الموافق الخامس من أيلول/ سبتمبر سنة 1908، واستمرت في الصدور حتى اندلاع الحرب العالمية الأولى في سنة 1914، حين توقّفت بعد إصدار ثلاثمئة وواحد وتسعين عدداً.
أصدر جورجي حنانيا الجريدة وهو أحد أوائل المحرّرين وأصحاب المطابع في فلسطين
في ترويسة غلاف العدد الأول، تظهر عبارة: "من قبل هذا العدد عُدّ مشتركاً"، إذ حدّدت قيمة الاشتراك في الجريدة بثلاثة مجيديات ونصف (العملة العثمانية المتداولة)، وصُنفت على أنها "جريدة علمية أدبية إخبارية" تصدر يومي الثلاثاء والجمعة من كلّ أسبوع.
وأشارت افتتاحية العدد إلى أن القدس "متعطشة مثل غيرها إلى العلوم والمعارف التي نضب معينها منذ أجيال طوال، وكانت هذه لا تُنشر إلا بواسطة المطابع وكانت مطابع القدس دينية محضة تشتغل كل واحدة منها لطائفتها"، موضحاً ضرورة تأسيس مطبعة تزرع بذور الإخاء وتعامل الجميع على السواء، غايتها خدمة الوطن لا تختص بفريق دون آخر.
وبيّن حنانيا أن خطة الجريدة بأن تتعقب آثار الاستبداد وتبحث عن مواطن الضعف وتفتش عن الأدواء المحلية، وستقتصر في أبحاثها على ما يحمل أثره من المقالات والرسائل المفيدة، مع نشرها تفصيلات حول الدستور العثماني الجديد وتاريخه، وحقوق منتخبي مجلس المبعوثان (البرلمان العثماني)، وجملة من الأخبار المحلية منها خبر صدور مجلة "الأصمعي" لصاحبها الكاتب حنا أفندي عبد الله عيسى في يافا، حيث تضمّنت أبحاثاً ومقالات علمية وعمرانية، وخبراً عن خطبة الشيخ طاهر أفندي أبي السعود في الجامع الأقصى بعنوان "الحرية".
صدر عددها الأول في الخامس من أيلول/ سبتمبر سنة 1908 وتوقفت عن الصدور عام 2014
كما احتوى العدد الخامس عشر على إعلان بعروض صور متحركة تمثّل أشهر الوقائع التاريخية والألعاب المختلفة والمناظر التشخيصية والنوادر المضحكة في "تياترو أنيستي" الذي كان يستقبل عروضاً مسرحية يأتي بعضها من مصر خلال تلك الفترة.
وفي العدد الثاني والثلاثين، نعثر على ملخص للجرائد النمساوية التي خاضت حملة ضد سياسات إنكلترا في تحريضها الدولة العثمانية على النمسا، وإلى جواره إعلان لمخزن يبيع الآلات الموسيقية من كمنجات ومندولينات وقيثارات وأوراق لتدوين الأغاني.
تركّز المقالات على تحليل الأحداث السياسية في مرحلة مضطربة كما تُظهر الأعداد المتأخرة من الجريدة عشية الحرب العالمية الأولى، ولا يخلو بعضها من توجيه النقد إلى بعض السياسات والمواقف التي يتخذها مسؤولون في الدولة العثمانية والدول الأوروبية، ومن أخبار من إسطنبول وأثنيا وبرلين وفيينا ونيويورك وباريس، وعروض موجزة لبعض الروايات والكتب.