تنحصر الكتابة عن المدن العربية عادة في زوايا تخصصية من منطلق التاريخ أو العمارة في الغالب، وهو ما يجعل هذا النوع من الكتب مقصّراً في حق الأمكنة التي يتناولها.
في كتابه "مدينة توزر في العصر الوسيط"، الصادر مؤخراً عن منشورات "التونسية لتنمية الصناعات الثقافية"، اختار الباحث محمد الأزهر باي أن يقارب مختلف أوجه الحياة العامة في مدينة توزر من بيئتها وواقع الحياة الاقتصادية والاجتماعية إلى أعلامها في الطب والفلك والهندسة وعلوم الفقه والحديث والقضاء والأدب.
في تقديمه، يفسّر باي اشتغاله على توزر فيذكر أنه كتابه قد أتى "من شعور بالغبن الذي ما انفكت تشكوه المدينة وقد سقطت أو تكاد من أعين الباحثين ثم ما أضحى يغشي أبرز أعلامها ويطمس معالم آثارها ويقوم حائلاً دون إدراك أهل الذكر حقيقتهم والحال أنهم كثر وجديرون بعناية فائقة وذلك لعلو شأنهم.
يركّز المؤلف في تناوله لمدينة توزر على سيرة الإنسان فيها فيستحضر الكثير من وجوهها، ففي مجال علوم الفقه والحديث يذكر أبو زيد عبد الرحمان التوزري وأبو عبد الله محمد عبد القادر التواتي العباسي وأحمد بن محمد التوزري. وفي الطب أبو الحسن عبد الله الصقلي.
وفي مجال الهندسة يقدّم ابن الشباط ضمن تخصّص الهندسة المائية وهو صاحب أشهر معادلة لاقتسام الماء داخل الواحات، مازال العمل بها قائماً الى يوم الناس هذا. وفي علوم الفلك، يعرّفنا المؤلف بـ محمد الهادفي وأبو حفص عمر الذي بلغ صدى علمه بلاد المشرق والأندلس ومن أبرز كتاباته "محصلة المطلوب في العمل بربع الجيوب".
من مؤلفات محمد الأزهر باي الأخرى: "مناقب أولاد تليل" (2005)، و"حسان ابن ثابت: شاعر الجاهلية والإسلام" (2005)، و"المديح النبوي في الغرب الإسلامي" (2013).