نظّمت مجلة "منهجيّات"، أوّل أمس الأربعاء، ندوتها الشهرية التي تُقام عن بعد، بالشراكة مع "منظّمة البكالوريا الدوليّة"، وقد حملت عنوان "تعلّم العربيّة وتعليمها: نحو إيقاد الشغف مُجدّداً"، وكانت ضمن محاور أربعة، هي: "العربيّة لغة تواصل وثقافة"، و"استراتيجيّات تعليم العربيّة"، و"مصادر تعلّم العربيّة"، و"إيقاد شغف المعلّم أيضاً".
تحدّث في الندوة كل من: ماهر منصور، ودرصاف كوكي، ومحمّد عصام، وغدير حطبة، بينما أدارتها هنادي ديّه التي طرحت سؤال "لماذا علينا تعلّم اللغة العربيّة؟"، وكانت الإجابة الأولى لمحمد عصام الذي قال: "عندما ندرُس اللغة العربيّة، كمتخصّصين، فإنّ هناك شعوراً وإحساساً بجماليّات اللغة العربيّة، ولكن لا بدّ من نقل هذه الجماليّات إلى الطلبة، عبر العديد من الوسائل". وعَرَضَ عصام هُنا مثالاً يُسهّل طريقة التعلّم عبر ربطها بالحياة، من ذلك تطبيقها خارج حدود الصفّ.
من جهتها، أشارت غدير حطبة إلى أنّ اللغة والتواصل والثقافة هي حلقات متداخلة، مؤكّدة أنه "لا يُمكن أن ندرس اللغة بمعزل عن الثقافة أولاً، ومن ثمّ تحويل هذه الثقافة لأداة تواصل ثانياً"، مشيرة إلى أهمّيّة عدم تدريس النصّ كقالب لغويّ أو لغة فارغة من محتوى تاريخيّ جغرافيّ إنسانيّ، سواء كان النصّ من الموروث الشعبيّ أو من الشعر.
وفي كلمته، تحدّثَ ماهر منصور حول أهمّيّة إعادة إحياء الشغف باللّغة العربيّة، معتبراً أنه قد يكون المُنطلق من النظر إلى حال المُجتمع العربيّ الآن ومقارنته بباقي المُجتمعات. وأكّد على فكرة أنّ العلوم الحديثة اليوم تقول إنّ الإنسان عندما يُفكّر بلغته الأمّ يسهل عليه التعمّق في مُختلف المفاهيم والتمكّن من المهارات والتعرّف على المعارف بشكلٍ أكثف.
وأشار منصور إلى أنّ اللغة العربيّة تتحوّل شيئاً فشيئاً إلى لغة يوميّة فقط، قد لا نحتاجها عندما ندرُس الطبّ مثلاً، وهذه إشكاليّة علينا مواجهتها بأهمّيّة وضرورة أن يشعر الجيل بالاعتزاز باللّغة، والإدراك بأنّ لغته الأمّ هي شيء أساسيّ يجب التمسّك به مع الانفتاح على مُختلف الثقافات.
وانطلقت درصاف كوكي من مثال حيّ؛ حيث أشارت إلى الصدمة التي يتلقاها طلبة المدارس حين يقفون على الفارق بين اللغة العامية التي يمارسونها يومياً والفصحى، ويتفاجؤون بأنّ استخدام العامّيّة يُصبح خطأً. ترى كوكي أنه هذه النظرة الدونيّة للعامّيّة تُشكّل أوّل عقدة أو صدمة بين الطلبة واللغة. من هنا تؤكّد بأنه من الضروري التفكير في معرفة الطلبة، ومعرفة اهتماماتهم، أي أن يكون الطلبة بمثابة شركاء في عمليّة التعلّم، مثل أن يأتوا بمصادر حول موضوع ما، وعبر تشجيعهم على الحديث، والاستماع لهم.
وضمن محمور "إيقاد شغف المعلّم أيضاً"، قالت كوكي إن من الضروري التواصل بين المعلّمين أنفسهم، ومشاركة التجارب المُختلفة عبر منصّات عدّة، تضع المعلّم ضمن شبكة من المعلّمين وتجعله مطّلعاً على ما يحدث في المجال التعليميّ اليوم. هذا يدفع المعلّم لئلّا يكون معلّم مادّة واحدة، إنّما معلّم برنامج شاملٍ كاملٍ متعدّد الجوانب يفتح باب اللقاء مع الطلبة لغايات مُختلفة عن التعليم كذلك، وفق تعبيرها.
أمّا منصور، فقال: "ما أعتقد أنّه من الممكن أن يوقد شغف المعلّم هي أمور مختلفة، مثل الحرّيّة، والثقة، والتطوير المهنيّ اللّازم"، وأشار إلى أنّ ذلك قد يُمكّنه من نقل هذا الشغف إلى طلبته. وعكس هذا الأمر، بحصر المعلّم ضمن مناهج، فإنّه سرعان ما سينطفئ هذا الشغف.
وتحدّث عصام عن فكرة أنّ معلّم اللغة العربيّة سيكون شغوفاً إن وجد أنّ الطلبة أمامه أيضاً على نفس الدرجة من الشغف، وعندما يرى المعلّم نفسه أمام بيئة منافسة تتحدّاه، فإنّ هذا سيدفعه لتطوير ذاته كلّ يوم.
أخيراً، أشارت حطبة إلى الحاجة لتغيير النظرة إلى المُعلّم، ومعاملته معاملة مُختلفة، مثل أن يكون هناك كلّ سنة أو سنتين دراسة بحثيّة يكتبها، وأن يكون هُناك تطوير مهنيّ يرتبط بدرجات أستاذيّة. تقول: "عندما تضعنا المؤسّسات في تحدٍّ مع الذّات، سنُبدع في تطوير ذواتنا وسنعمل على بناء مُجتمعات تعليم وتعلّم".